«ميرنا البستاني».. سيدة أعمال لبنانية جمعت السياسة والفن بامتياز
الأحد 24/يناير/2021 - 04:59 م
رضا يوسف
ما أكثر النساء اللواتي لمع دورهن في مجالات متنوعة، بعضها متناقضًا مع البعض الآخر، وقد استطعن تحقيق ذلك لاتصافهن بسمات تميزهن عن غيرهن، منها امتلاك الذكاء والإرادة الحديدية التي تمكن الإنسان من تخطي كل العقبات وتجاوز جميع الصعاب.
«هير نيوز»، تلقي الضوء على واحدة من هؤلاء، لمع نجمها في لبنان الشقيق ما بين السياسة والفن، فصارت على خطى والديها حالمة شغوفة بعالم أفضل يزخر بالفن والموسيقي والفرصة التعليمية ومناصرة لكل الفعاليات التي تمهد الطريق لهذا العالم، ولهذا الدور ولأدوار أخرى نالت ميدالية الجامعة الأمريكية، في بيروت وهو التكريم الأرفع الذي تمنحه الجامعة. لتنضم بذلك إلى كوكبة لامعة في بلدها.. إنها "ميرنا البستاني"، أول امرأة تحصل على عضوية مجلس النواب اللبناني.
ميرنا إميل البستاني، سيدة أعمال لبنانية وبرلمانية سابقة، من مواليد 20 ديسمبر 1937، في بيروت، وهي ابنة إميل ولورا بستاني، تعرًّف والداها على بعضهما البعض في الفندق الكبير (فندق جراند) في بيت مري خلال ثلاثينيات القرن الماضي قبل زواجهما، واشترى إميل بعد سنوات نفس المبنى في مزاد، وتم تحويله لاحقًا إلى فندق البستان، وقد ترأس والدها إميل بستاني شركة الهندسة والمقاولات الرائدة في العالم العربي، وكان رجل دولة بارزًا، كما كانت والدة ميرنا -لورا-مغنية جوقة وعازفة بيانو، غرست فيها شغفًا بالمقطوعات الكلاسيكية.
وهي من عائلة أديب ومفكّر القرن التاسع عشر بطرس البستاني، كما أنها ابنة عم عالمة الأعصاب والجينيات المتميزة الدكتورة روز ماري البستاني، والصحفية البارزة السابقة في واشنطن بوست نورا البستاني، التحقت ميرنا، بالكلية البروتستانتية الفرنسية، بالإضافة إلى تلقيها لدروس البيانو الرسمية في بيروت لمدة 10 سنوات، كما التحقت بمدرسة إنهاء في لندن وأتمت تدريبها هناك عام 1954، ودرست في جامعة ليون في فرنسا، حيث تخرجت في عام 1958 بدرجة البكالوريوس في علم النفس، وبصرف النظر عن لغتها اللبنانية الأصلية فإنها تجيد أيضًا اللغة الفرنسية والإنجليزية.
ساهمت "ميرنا" في كل ما يرفع من شأن التعليم في بلادها، ودعمت الجامعة الأمريكية في بيروت وأصبحت عضوًا في مجلس
أمنائها، وأسست مركز الدراسات اللبنانية في جامعة أوكسفورد لتعريف الشعب البريطاني بلبنان، ثم أقامت "ندوة إميل بستاني للشرق االأوسط" في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، تكريمًا لذكراه ودعمًا للسلام في المنطقة، لكنها رغم أهمية ذلك، تسعى لشيء آخر هو المساهمة في إزالة آثار الحرب عن لبنان وإحياء الحياة الثقافية فيه، فضلًا عن تحقيق حلم قديم بترويج الموسيقى وتثبيتها في الفضاء الثقافي اللبناني.
وفي عام 1963 توفي والدها في حادث تحطم طائرة، وقد كان يعتبر واحدًا من أكثر رجال الأعمال في الشرق الأوسط، كما كان الشخصية الرائدة في السياسة في المنطقة في ذلك الوقت، وكان عضوًا في البرلمان اللبناني منذ عام 1951، وبعد وفاته تم انتخاب ميرنا بستاني لخلافته وأصبحت بذلك أول امرأة تعمل في البرلمان اللبناني، عام 1963 -1964، ورثت أيضًا من والدها مناصبه التجارية في مختلف الشركات وغيرها من المسؤوليات، بما في ذلك عضويته في الشركة المتعددة الجنسيات، "كات غروب للبناء والتجارة"، وكذلك خطط مشروع فندق البستانى،الذى واصلت زوجته وابنته تطويره، وبحلول عام 1967 تم الانتهاء من الفندق رسميًا وافتتاحه، فكان أول فندق في ذلك الوقت يحمل اسمًا عربيًا، عندما أخذت جميع فنادق بيروت أسماء أوروبية، وسيصبح البستان معلمًا لبنانيًا هامًا، كما تعد البستاني مساهمة كبيرة في الفعاليات الثقافية في لبنان وراعية للفنون، وهي رئيسة مهرجان البستان الدولي في لبنان.
في عام 1985 أسّست ميرنا ندوة إميل بستاني للشرق الأوسط في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا تكريمًا لذكراه ومواصلة إخلاصه للتعليم العالي والسلام في المنطقة، كما أصبحت البستاني عضوة في مجلس أمناء الجامعة الأمريكية في بيروت منذ عام 1979، وفي عام 2007 أجرت حوارًا مع مجلة بيسبوك، أكدت فيه أن هدفها هو الكفاح من أجل تنشيط وتثقيف مواطنيها المتشككين بشأن السيمفونيات والسوناتات، على الرغم من عدم الاستقرار الاقتصادي المتفشي والاغتيالات السياسية والاضطرابات العامة، وفي عام 1993 أقامت مهرجان البستان،حيث تم إطلاق المهرجان الذي رحب بمئات من الفنانين والموسيقيين المحليين والدوليين.
تعد ميرنا البستاني، أول امرأة انضمّت إلى مجلس النواب اللبناني، وقد كان لها آذان صاغية من قبل زملائها النوّاب. كانوا يحترمون وجودها كنائة ويطلبون آراءها وخصوصًا في المسائل المتعلقة بالتربية والتعليم والشباب، ومن هنا شاركت في لجنة التربية والتعليم، وكان وجودها فاعلًا فيها، غير أنّ عطاءها لم ينحصر في المجال السياسي، فالسيّدة الطموحة كانت ناجحة في مجالات متنوعة منها، إدارة العمليات التجارية المعقّدة، وتأسيس فندق البستان، ونالت شهادة من كلية الفنون في جامعة ليون، ثم نظمت حفلات موسيقية للجمعية اللبنانية البريطانية، للعازفين المنفردين اللبنانيين في لندن، وقد أقنعها ذلك بأنّ لبنان قادر على اجتذاب نخبة الموسيقيين الكلاسيكيين بعد الحرب، وفي العام 1994، أسّست مهرجان البستان الفني السنوي، فكان من أبرز إنجازاتها وأهمّها، الذي لم يُغنِ الحياة الثقافية في لبنان فحسب، بل وضعه أيضًا على لائحة المراكز العالمية للفنون الأدائية.
وخلال سنوات الحرب الأهلية الشاقة، برزت ميرنا البستاني كمُناصرة قوية وشغوفة للجامعة الأمريكية في بيروت، وساعدت في إعادة بناء وتوسيع تأثيرها في برامج على امتداد المنطقة كلها. وفي العام 1981، أنشأت هي والعضو الفخري في مجلس أمناء الجامعة علي غندور، نادي الرئيس، والذي دعم العديد من المبادرات على مر السنين لإثراء حياة الطلاب في الحرم الجامعي، وهي من مؤسسي الجمعية اللبنانية البريطانية (في العام 1980) ومركز الدراسات اللبنانية، أكسفورد (في العام 1990)، وكُرّمت أيضًا من ليبان بوست كإحدى ست نساء لبنانيات رائدات بطابع تذكاري لها صدر في العام 2017.
حصلت على عدة جوائز لبنانية وعالمية تقديرًا لنشاطها الثقافي والاجتماعي، من بينها: وسام روسيا الفخري من السفارة الروسية، وسام الأرز من الدولة اللبنانية، جائزة أوروبا الكبرى من الجمعية الأوروبية، والاستحقاق الثقافي من وزارة الفنون من الجمهورية البولندية والشارة الذهبية لجمهورية النمسا، وسام إيزابيلا الكاثوليكية، إسبانيا، ونالت ميدالية الجامعة الأمريكية، في بيروت وهو التكريم الأرفع الذي تمنحه الجامعة.