بقلم عبلة مرشد: العاملون في سوق العمل ومؤشراته الإدارية
تُعد نتائج الإحصاءات العامة الخاصة بمسح العاملين في سوق العمل والمستندة على واقع الأرقام المسجلة رسميًا في السجلات الإدارية النظامية، والتي تشمل المسجلين في سجلات الخدمة المدنية والخاضعين لأنظمتها، وكذلك الخاضعون للوائح وأنظمة التأمينات الاجتماعية؛ مؤشرًا هامًا لقراءة واقع سوق العمل فيما يخص هيكل موارده البشرية ونوعية العاملين فيه بجميع مؤهلاتهم التعليمية، وما يرتبط بذلك من أهمية في ملاحظة مدى نجاح سياسات التوطين المستهدفة في كثير من القطاعات المعلن عنها، علاوة على ما يستتبع ذلك من متطلبات مراجعة السياسات المنفذة فيما يخص العاملين في السوق وتصحيحها بما يخدم أهدافنا الوطنية.
تشير نتائج الإحصاءات العامة للربع الأول من عام 2023، وهي الأحدث نشرًا، إلى إن حجم المسجلين في كافة السجلات الإدارية الوطنية، باستثناء القطاعات الأمنية والعسكرية والعاملين غير المسجلين رسميًا في سجلات التأمينات الاجتماعية ووزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية؛ إلى إن عدد المسجلين من المواطنين وغير المواطنين، بما في ذلك العمالة المنزلية بلغ 15.363.372 عاملا، تمثل منهم العمالة المنزلية فقط 3.641.461 عاملا، في حين يعمل غير المواطنين في القطاعات المختلفة من المسجلين نظاميًا بعدد 11.721.911 عاملا، بينما ينخفض العدد للمواطنين إلى 3.870.481 عاملا مواطنا.
لعل الوقوف على حجم مشاركة المواطنين في سوق العمل تكشفه النسبة المئوية لحجم العاملين في السوق أكثر من الأرقام المجردة، وعليه فإن نسبة المواطنين العاملين والمسجلين في أنظمة الخدمة المدنية والتأمينات الاجتماعية لا يتعدى 25 % بالنسبة لجملة العاملين في سوق العمل، بما يتضمن العمالة المنزلية، وترتفع النسبة إلى 33 % بعد استثناء العمالة المنزلية، والتي لا يعمل بها السعوديون، والتي تشكل وحدها نحو نسبة 24 % (23.7 %) من جملة العاملين في السوق، بما يقارب نسبة جملة المواطنين العاملين في السوق الوطني!، بينما ترتفع نسبة العاملين من غير المواطنين إلى نحو 75 % من جملة العاملين في السوق، وتنخفض النسبة إلى 51 % في حال استثناء العمالة المنزلية، وذلك يقارب نسبة وجود السكان غير المواطنين في السعودية بناء على إحصاءات السكان 2022.
عندما تجد تصريحات لبعض المسؤولين حول تضخم نسبة التوطين بما يفوق المستهدف منها في بعض القطاعات، رغم أن الواقع المشهود يناقض ذلك فإننا نتعجب ونتساءل هل يطلع المسؤولون المعنيون على نتائج الإحصاءات العامة الموثقة رسميًا؟! وهل يراجعون سياساتهم ويحدثونها بما يخدم أهدافنا الوطنية؟ وهل هناك محاولات جادة لمتابعة نسب التوطين والتوظيف ميدانيًا بمصداقية من قِبلهم؟ وهل هناك مراجعة لآلية توظيف المواطن وما يعاني منه من إجراءات ومتطلبات تعجيزية أحيانًا لا تواجه غير المواطن؟! بل وهل يكلفون أنفسهم أو من ينوب عنهم بمتابعة واقع سوق العمل القائم ميدانيًا بجميع موارده وما يواجه من تحديات؟!.
لا شك أنه من دواعي الثقة والاحترام والتقدير الاعتراف بالسلبيات والإخفاقات في أي مجال؛ لأن ذلك بداية التصحيح للوصول إلى الحل المناسب، تحديد المشكلة هو البداية الصحيحة لحل المشكلة بما يناسبها من حلول وممارسات عملية ومهنية، وتلك طبيعة الدراسات العلمية الجادة التي تستهدف الوصول إلى حلول لمشكلة الدراسة وليس فقط إنجاز دراسة بنتائج ضعيفة وتوصيات وهمية لا ترتبط بالواقع المدروس، تلك الدراسات لا تستحق حتى أجهزة الحاسب وأرفف المكتبات لتخزينها وحفظها.
تجاهل الواقع والهروب من الإخفاقات والتحديات أو تصويرها بما يخالف الحقائق، لن يسهم إلا في مزيد من التراكمات والتحديات التي تتعقد حلولها مع الأيام وتتزايد إشكالاتها وتبعاتها على المجتمع بصفة عامة، وعلى الفرد على وجه الخصوص، النزاهة والشفافية والإخلاص في العمل والسعي نحو جودته ومشاركة الوطن في معالجة تحدياته ودعم مبادراته وجهوده التي تبلورها رؤية 2030 أصبح عنوانًا لمسيرتنا التنموية بكل مقدراتها.