الجمعة 22 نوفمبر 2024 الموافق 20 جمادى الأولى 1446
رئيس مجلس الإدارة
خالد جودة
رئيس مجلس الاداره
خالد جوده

بقلم إيمان محمد: التسلط الوظيفي

الإثنين 11/سبتمبر/2023 - 09:13 م
هير نيوز

للعمل أهمية كبرى في حياة الإنسان فإضافة إلى أنه مورد «مادي» لتنمية الإنسان وتلبية احتياجاته، هو أيضًا مورد «معنوي» يغذي تقدير النفس واعتزازها ورضاها عما تعمل. وبحسب هرم «ماسلو» المصنف لحاجات الإنسان النفسية تأتي الحاجة (للتقدير والاعتزاز) كمرحلة سابقة لما قبل تحقيق الذات في رأس الهرم، وكمرحلة لاحقة للحاجات الاجتماعية والفسيولوجية والأمان، ما يعني أن الخلل في هذه الحاجات يؤثر في نفسية الإنسان، ولكن ماذا لو كان الإخلال بالجانب المعنوي والنفسي يأتي بشكل متعمد ومخطط له!

يأتي الكثيرون للعمل محملين بالشغف، بالفكر، بالإبداع، ولكن بعد سنوات قليلة تتغير بهم الحال ليصبحوا محملين بالملل وبطاقة سلبية تجاه ما يقومون به من أعمال، وجراء ذلك التغيير يزداد تعسف الإدارات لضبط سلوك الموظفين، ويزداد إهمالهم في تجاوز الدوافع والأسباب التي أدت بالموظف للوصول لهذه المرحلة. مرحلة تغليب الجانب المادي على الجانب المعنوي، واللعب على إيجاد خلل وفجوة تقتل وتشل الإبداع والانتماء والحماس والبحث عن الإنجاز.

لا أتحدث عن الأنظمة أو اللوائح التنفيذية وميلها (لميكنة الإنسان)، أي تحويلها الإنسان إلى آلة، ولا عن العكس (أنسنة الآلة) واستبدالها الإنسان بالآلة، فنحن ما زلنا نعاني من مخلفات مرحلة ما زالت نافذة ومازالت تدافع عن عبثها (بالقهر والتسلط الوظيفي).

التسلط الذي أعنيه هو الوصول إلى سلطة ما بغير وجه حق، حتى وإن تحول راعيها فيما بعد إلى أن يعمل بحق (بعدل) كأن يعمل فني بصريات مديرًا لأطباء عيون، أو كأن يعمل موجه أو إداري تربوي بخبرة متواضعة لكنها أدنى من خبرة واختصاص الموجهين أو الموظفين. ثم يأتي بعد هذا الاغتصاب الوظيفي، ائتلاف اجتماعي وفكري مع بعض الموظفين في بيئة العمل، ولأن التسلط الذي قد يصل حد الاستبداد، فعل لا يكون إلا بفاعل ألا وهي الشخصية ذاتها والتي بدأت تتصرف، كمتسلط في ظل أنظمة العمل لدينا، شخصية متسلطة حصلت على جرعة زائدة من فيتامين (و) الوظيفي الذي يبدأ يتغلغل فيما بعد لتكوين طبقة من الموظفين تحميها وتمدحها وتنفذ قراراتها الوهمية لإرضاخ الجميع. يعمل أيضًا التسلط الوظيفي في بيئة العمل المنفرة على خلق صراعات وهمية وأخطاء غير موجودة للنيل من الكفاءات أو تصفية الحسابات أو تصعيد لدائرته الاجتماعية والفكرية المقربة أو جميع ما سبق بادعاء أنه محارب أو نزيه أو محسود... إلخ

هذه الصراعات التي تحدثها هذه الفئة في بيئة العمل، كفيلة بأن تطوع حتى أعلى الجهات وأكثرها نفوذًا في محيط العمل قائدًا كان أو مشرفًا أو رئيسًا، لمصيدة الابتزاز المهني، بلعبة تصيد الأخطاء والتشكيك وتحريض الموظفين، ثم امتلاك المواقف باستسلام الإدارة وتصعيد التسلط. استسلام يبدأ من إنكار التحيز والتصيد للتسلط الوظيفي بهدف الدفاع عن الضعف الذي وصل إليه، بعد خضوعه الطويل لكم من الممارسات التي ابتزت مهنيته واخضعته. وللمعلومية قد ينشط سلوك التسلط الوظيفي وسط أكثر الإدارات نزاهة وإنسانية ويشيطنها ثم يصعد على أكتافها..

هذا النزاع على (السلطة الإدارية) وفرض الهيمنة الشخصية بين أطرافها، والبحث عن ثغرات خلف الآخر، كفيل بقتل همة جميع الموظفين في هذه الدائرة ونشر السلبية فيها، وحقيقة لا أستغرب عدم تطور الشخصية الإدارية في بعض القطاعات، وهي بالأصل لا تمتلك مبادئ إدارية علمية ولا تؤمن إلا بمبادئها الفكرية والاجتماعية، ولا تدير العمل إلا بمنظورها المتخلف والرجعي.

أتمنى رؤية تصحيح لهذا الوضع في الفارق التعليمي بين المديرين والموظفين، والذي باستمراره تتحول بيئة العمل إلى بيئة طاردة للإنتاج والإبداع، وأن يعالج التسلط الوظيفي على الأقل، باستحداث لجنة للنظر في التجاوزات الإدارية بحق الموظفين، وأن تفرض رقابة ومتابعة ترتبط بمبادرات وبرامج رؤية 2030 لتحقيق الجودة في بيئة العمل.

نقلا عن الوطن السعودية

ads