الإثنين 25 نوفمبر 2024 الموافق 23 جمادى الأولى 1446
رئيس مجلس الإدارة
خالد جودة
رئيس مجلس الاداره
خالد جوده

بقلم ميسون الدخيل: تجريف العقيدة.. حركة العصر الجديد

الثلاثاء 15/أغسطس/2023 - 05:59 م
هير نيوز

اليوم الموضوع الذي سوف أتطرق إليه خطير جدًا، وحقًا احترت كيف أقدمه من غير أن أدخل إلى خلية دبابير أو أسير في حقل ألغام!. ما أريده هو التوعية من خلال العلم والمعرفة، ولهذا فضلت ألّا أستخدم أسلوب الصدمة، لأن الموضوع لا يحتمل تأويل أو تحريف من قِبل الراغبين في إشعال الفتنة، فقط للاستمتاع، وتغذية «الأنا» لديهم من خلال سحب دائرة الضوء إليهم، وبذلك يضيع الهدف من المقالة.

وصلني مقطع لأحد المشاهير الذي كان يعمل على تقديم ورش ما يسمى «تنمية بشرية»، ولكنه قرر اتخاذ منحى آخر، وبدأ في السنوات القليلة الماضية النشاط في مجال الروحانيات تحت غطاء «سيكولوجية» الأسس الدينية، من قراءة القرآن إلى الدعاء!.

وخلال حديثه شيء ما جعلني أشعر بالقشعريرة والانقباض! فعلا لم أرتاح لا لصوته ولا لغة الجسد التي كان يستخدمها، التي كان من الواضح أنه قد تدرب عليها بامتياز. لقد كانت كلمات يمررها بسرعة، ولكن لحسن الحظ التقطها عقلي، ربما بسبب عدم الارتياح لم أقع تحت سحر صوته أو أدائه المسرحي.

قررت أن أدخل إلى حسابه، حتى أكون موضوعية، ولا أكون كمن يحكم من مجرد مقطع واحد. كانت طريقته في تهيئة المشاركين بالتحدث إلى «الإيجو»، فبدأ بالنفخ من أول محاضرة، ثم بالتشويق بأنه سوف ينسف هذا الصنم أو ذاك، وبعدها ينبههم إلى أن عدم الفهم قد ينشأ بسبب مستوى «الوعي» الذي ينقص الفرد كي تصله الرسالة!، وقبل ذلك كله وجه حديثه إلى الجميع، المسلم والمسيحي واليهودي والملحد، وضعهم في بوتقة واحدة. التهيئة لدين واحد كما سيتضح لكم فيما بعد.

هذا الرجل فعلا أثار فضولي، وقررت أن أدخل له عدة، بل الكثير من المقاطع، وتتبعت الطريقة التي يتبعها في التهيئة ثم التشويق ثم التشكيك، وبعدها يأتي النسف! وفي كل مرة يؤكد الحضور باستخدام العقل والتحليل، الذي على ما يبدو أنه كان لعقله وتحليله وتفسيراته!. التناقض كان واضحا، فلو تتبع المرء وسجل بدقة أقواله، سيجد عندها أنه ينسف الموروث، ثم تجده يستشهد به. ينسف تفسيرات السلف الصالح بحجة إنها تفسيرات فردية، ويجب على العقل أن يصل للتفسيرات بنفسه دون اللجوء إلى تفسير خارجي، ثم يستدير في حلقات أخرى، ويقول: «سوف أفسر لكم الآية التالية»!. وطول الوقت يؤكد للحضور أنهم أحرار في أن يتقبلوا المعلومة منه أو يرفضوها، بينما من خلال متابعة التعليقات تجد أن الغالبية يشكرونه على أنه ساعدهم، وجعلهم يرون الدين من منظار جديد، وبهذا أصبحت حياتهم أكثر سعادة! (التلقين اللاشعوري والولادة من جديد).

وجدت أنه يرتكز كثيرا على مفهوم «الطاقة»، حتى إنني تابعت له جلسة من المفترض أنه ساعد المريضة تجلس بعيدة عنه بين الحضور من خلال رفع يده، وتوجيه الطاقة إليها!. أين رأيت هذا الأسلوب يا ميسون؟ أين؟ تذكرت خلال برامج العلاج الروحاني على القنوات الأميركية عندما كنت طالبة هناك!، وتذكرت أيضًا البرامج الوثائقية التي فضحتهم، وأظهرت خداعهم للناس.

ووجدت أيضًا أنه يُركز على «الوعي»، وتسخير الكون من الخالق، لخدمة البشر، ففور أن تنظف «الشاكرا» وترتقي بالوعي، وتدخل في حالات تصفية الذهن، وتطلب، سوف يستجيب الكون!. لحظة من فضلكم، مَن الذي سوف يستجيب؟! حتى الأمر وصل به أن يعلن أن الله سبحانه وتعالى خاطبه! هل دق هذا شيئا مماثلًا لديكم؟ مَن الذي تاه في الصحراء، وهو ذاهب لمحاربة المسيح عليه السلام، وصعق وأصيب بالعمى، وسمع صوتا يناديه؟، لنترك هذه. مَن الذي شرفه الله بأن جعله كليمه؟، لنترك ما سبق. ماذا عن أنه حين كلمه الله، في منامه، استيقظ وهو يتعرق ويرتعش وزوجته بجانبه مندهشة. لم يبقٍ سوى أن يقول: «دثروني، دثروني»! هل هذا يكفي؟ كلا، لقد ألغى انتهاء الرسل، وأن الرسل ما زالوا يتنزلون إلى يومنا هذا، بل يعلن أن «القرآن» حي!. لم انتهي، يعلن أن الأنبياء والرسل كان الوعي لديهم محددا لفترتهم، وأن الوعي يتطور، بهذا نحن نمتلك الوعي الأعلى مما كان يمتلكه القدماء. النقطة هنا أنه يؤكد عدم الانسياق خلف الأسلاف، وأن نجدد!. ببساطة يغير معاني مفردات القرآن الكريم، لأنها حسب قوله جاءت من مقارنتها مع أبيات للشعراء في ذلك العصر، ثم يطالب الحضور بالتدبر، وأن يكونوا ربًا صغيرًا!.

بدأت أبحث، وعدت للمصادر الأجنبية والعربية، على الأقل لأتعرف على القاعدة التي ينطلق منها، ووجدت ضالتي «حركة العصر الجديد» التي بدأت منذ القرن الثامن عشر، ولكنها نشطت في السبعينيات والثمانينيات، واكتسبت شعبية من خلال أشكال مختلفة من وسائل الإعلام مثل «جريدة العصر الجديد»، وكتاب مارك ساتين «سياسة العصر الجديد». كما أصبح كتاب «مارلين فيرجسون» المقروء على نطاق واسع «مؤامرة الدلو» مصدرًا رئيسيًا لتوجيه الحركة. لكن «راسل تشاندلر»، كاتب عمود في صحيفة لوس أنجلوس تايمز، صنف «شيرلي ماكلين» على أنها الأكثر تأثيرًا في الحركة، حيث إن كتابها «الموقف المغاير» يصور ترددها الأولي تجاه تبنى معتقدات العصر الجديد، ويوثق تجاربها، بما في ذلك لقاءاتها مع كائنات سماوية من خلال التواصل الروحي، والمشاركة في جلسات تحضير الأرواح!، وكان من مجالات استكشافاتها «اليوجا»، والتناسخ، وقوة البلورات، والتعويذات الهندوسية، وانحدار الحياة من خلال التنويم المغناطيسي، لاستعادة ما يعتقد الممارسون أنها ذكريات من حياة أو تجسيد في الماضي!. كما تدعي أن مرشد الروح (الكائن النوراني) علمها أن كل شخص يمتلك القدرة على الحكمة والألوهية اللامحدودة، والتي يجب أن يدركوها! كائنات نورانية أم شياطين؟!.

تستمد حركة العصر الجديد الإلهام من الأساطير الشرقية والهندوسية والبوذية والنصرانية واليهودية والصوفية، وتؤكد الإدراك المتزايد، المعروف باسم «العين الثالثة». أين رأينا هذه الأيقونة؟!. يؤمن أتباعها بالوصول إلى «الروح الروحية» من خلال تدريب العقل على تجاهل عقله التقليدي أو من خلال الوصول إلى «الوعي الكوني»، للاتحاد معه، أي مع الإله، القوة، الطاقة، الخالق!. يعتقدون أن العقل لديه القدرة على تشكيل الواقع، أي أنت تخلق قدرك!.

يصف «نيل أندرسون»، في كتابه «المشي في الظلام»، الحركة بأنها طريقة متميزة في التفكير وإدراك الحقيقة، وليست دينًا، ويسلط الضوء على أنها عادة ما تجذب أولئك الذين خاب أملهم في الدين والعقلانية الغربية، فهي تقدم التنوير الروحي دون الحاجة إلى التخلي عن المادية أو مواجهة القضايا الأخلاقية، وإليكم أمثلة على التفسيرات التي وجدتها عند أخينا: «الفقراء يلامون على فقرهم، والمعاقون أيضًا»!، فلربما أذيت في حياة سابقة معاقا، فتعود معاقًا، أو إن رأيت كلبا يعرج ربما كان إنسانا مؤذيا ركل كلبًا في حياة سابقة، فعاد في جسد كلب، وتمت معاقبته بأن ذاق الأذية نفسها. يا سادة إنه يؤمن بالتناسخ، والأدلة يأتي بها من القرآن، وليست من عنده، فهو مجرد رسول! وعليه لن تشعر بالذنب إن لم تساعد الفقير أو تعطف على الحيوان!.

يلخص أندرسون المعتقدات الأساسية لحركة العصر الجديد على النحو التالي: الوحدانية: هي الاعتقاد بأن جميع الكائنات مترابطة، مع اعتبار التاريخ رحلة من الجهل إلى التنوير. أكيد، لما لا ما دام لديهم من يساعدهم من الكائنات النورانية!. الكل هو الله: إذا كان كل شيء مترابطًا، فكل شيء يشترك في الجوهر الإلهي، مما يطمس الخطوط الفاصلة بين البشر والعناصر الطبيعية والكيانات الأخرى. يبدأون بالخالق، ثم الكون، ثم أنت الخالق وأنت الكون!. أليست هذه خطوات الشيطان؟!. تحول في الوعي: لتحقيق الاستنارة، يجب على المرء أن يدرك ألوهيته المتأصلة، ويسعي من أجل الوعي الكوني. يصف بعض المتابعين هذا الإدراك بأنه «ولد من جديد»، وهذا تقريبا ما قرأته من تعليقات متابعي رسول عصرنا!. التفاؤل بالتقدم العالمي: تتوقع الحركة حقبة جديدة تتميز بوحدة عالمية، وإقامة نظام عالمي جديد بحكومة واحدة. لا أدري لماذا قفزت إلى ذهني «كونداليزا رايس»!. خلق الواقع الشخصي: يعتقد أتباع العصر الجديد أن بإمكانهم تشكيل واقعهم من خلال معتقداتهم، وأن الحدود الأخلاقية ذاتية، وأن الخير والشر أمر واحد!. وهما يؤكدون أن الحقيقة أو الواقع شيء ما يتم تحديده من خلال تصريح الفرد، بمعنى أنهم يمكن أن يخلقوا الواقع عن طريق تغيير ما يؤمنون به، وبالتالي يمكنهم تغيير الواقع!. وأخيرا، وليس أخرًا، لأنهم يتحفونا بإضافات جديدة، فهم المجددون، التواصل مع مملكة الظلام!. لقد تم تغير اسم العرّافة إلى «موّصِل»، والشياطين إلى كائنات نورانية!. طبعًا بالنسبة للعرب منهم فهم يقومون على أسلمة المسميات، فتجد لديهم «ملائكة» و«كائنات نورانية» و«كينونات»!.

إن حركة العصر الجديد هي ديانة مزيفة تداعب مشاعر الأفراد، وتقودهم للاعتقاد بأنهم آلهة، وأنهم يستطيعون تحسين حياتهم بأنفسهم، والحقيقة هي أننا نولد ونكبر ونعيش لفترة على الأرض، ثم نموت، فنحن أتينا إلى الأرض، كي نعبد الله بالعمل الصالح والقيام بالعبادات بروح الإيمان، والتوكل على الله سبحانه وتعالىن والرضا بقضائه وقدره. إننا في دار امتحان، وكلا لم نختر الامتحان، كما يدعي أخينا، لا قبل ولا بعد أن ننزل إلى الأرض، والمضحك أنه لا يعترف بالامتحان والابتلاء، بينما يؤكد أن الإنسان سوف يعيد، حتى ينجح.. الكل ناجح!. إن لم يكن هنالك امتحان، فالنجاح في ماذا؟! تعارض بعده تعارض بعده تعارض، وهلمَّ جرًا!.

كل ما سبق ولم أتحدث عن أدواتهم من العلوم المزيفة التي تعتمد على العقائد الباطنية، وعلى سبيل المثال لا الحصر: علم الطاقة، وقانون الجذب، و«الريكي»، و«اليوجا»، والتداوي بالأحجار الكريمة والكريستال، وجلسات التأمل، و«الخيمياء»، و«الثيتا»، و«الإسقاط النجمي»، و«الاكسس بارز»، وما يطلقون عليه زورا وبهتانا «دورات التنمية البشرية»، التي تتم أسلمتها وتقديمها على أنها غير خارجة عن العقيدة، لأن المدربين يعلمون تمامًا أن لا أحد سوف يتابعهم إن تجرأوا منذ البداية، وأظهروا حقائق هذه المدارس، كما يفعل مدربو الغرب. إنها عمليات استدراج وتلقين لاشعوري.

عذرا على الإطالة، فأنا لم أكن لأتطرق لهذا الموضوع لو لم أجد رواجًا لهذه الدورات والورش والبرامج التدريبية لدى الشباب في جميع أنحاء البلاد العربية، وعلى جميع وسائل التواصل، مستهدفة أولا: العقيدة من خلال تشويش وتضليل العقول، وثانيا: المستقبل عندما يستيقظ الممارس ويصطدم بالواقع، أي خسارة دنيا ودين!، ولم يكن أخينا سوى مثال.. نقطة في بحر!. اللهم أَرِنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرِنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.


ads