الجمعة 22 نوفمبر 2024 الموافق 20 جمادى الأولى 1446
رئيس مجلس الإدارة
خالد جودة
رئيس مجلس الاداره
خالد جوده

بقلم فاطمة المزيعل: البشر بالفطرة

الإثنين 22/مايو/2023 - 09:29 م
هير نيوز

يقال: «البديهي هو ما لا يتوقف حصوله في الذهن على نظر وكسب، سواء احتاج إلى شيء آخر من حدس أو تجربة أو غير ذلك، وقد يراد بالبديهي ما لا يحتاج العقل في التصديق به إلى شيء أصلا».

كما قال الكفوي: البداهة هي المعرفة الحاصلة ابتداء في النفس، لا بسبب الفكر، كعلمك بأن الواحد نصف الاثنين، والبديهي أخص من الضروري، لأنه ما لا يتوقف حصوله على نظر وكسب، سواء احتاج لشيء آخر من نحو حدس أو تجربة أو لا، كتصور الحرارة والبرودة، والتصديق بأن النفي والإثبات لا يجتمعان ولا يرتفعان. وقال في موضع آخر: «اليقينيات ست: أولها: الأوليات وتسمى البديهيات، وهي ما يجزم به العقل بمجرد تصور طرفيه».

عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فبعث إلى نسائه، فقلن: ما معنا إلا الماء. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يضم - أو يضيف - هذا؟ فقال رجل من الأنصار: أنا. فانطلق به إلى امرأته، فقال: أكرمي ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقالت: ما عندنا إلا قوت صبياني. فقال: هيئي طعامك، وأصبحي سراجك، ونومي صبيانك إذا أرادوا عشاء. فهيأت طعامها، وأصبحت سراجها، ونومت صبيانها، ثم قامت كأنها تصلح سراجها فأطفأته، فجعلا يريانه أنهما يأكلان، فباتا طاويين، فلما أصبح غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «ضحك الله الليلة - أو عجب من فعالكما».

فضيق الحال هنا هو ما جعل من الزوجة أن تنيم صبيانها دون عشاء، ثم تقوم وكأنها تصلح سراجها فأطفأته، موقف يبين لنا بشكل أدق أحد أنواع البديهيات، والتي الكثير منها يفترض ألا يطلب أبدا، كمراعاة المشاعر مثلا، كالاحترام، التقدير، الاهتمام، الإحساس بالآخرين، الحب، والاعتذار.. إلخ.

فهي كالقضايا الواضحة بذاتها، صحيحة وصادقة ولا تحتاج إلى دليل على صحتها برأي الكلاسيكيين، أي لا يمكن للعقل إثباتها، بل هي من تفرض نفسها على العقل بوضوحها لأنها تستند إلى تماسك مبادئ العقل مع ذاته، فالتفكير البديهي له القدرة على تشكيل الافتراضات حول نوع وجوهر المواقف العادية التي يواجهها البشر كل يوم، افتراضات تتضمن أحكاما حول طبيعة الأشياء.

والبداهة تعني الإدراك المباشر للموضوع البديهي الذي يفرض نفسه فرضا على العقل بحيث لا يدع أي مجال للشك، فإنه ينبغي التمييز بين البداهة واليقين، حيث إن البداهة هي بداهة الموضوع المدرك، في حين أن اليقين هو الأثر الذي تتركه هذه البداهة في النفس والشعور الباطني الذي تولده فيها.

ولدينا الكثير من المواقف التي توضح لنا مدى تمتع المسلمين الصادقين بنفس تلك البداهة، بالأخص حين تراهم يتنازلون مما أعطاهم الله وهم راضون سعداء، حتى وإن كانوا في أشد الحاجة إليه، فتجد كلا منهم يقدم حاجة أخيه على نفسه، وكمثل تلك المواقف تؤدي إلى الترابط وتغرس الألفة والمودة بين الناس، هذا بخلاف أنها فعل أخلاقي يقوم الشخص بعمله بهدف أن تعم الفائدة والخير على غيره من الأشخاص دون انتظار أي مقابل من هذا الفعل، فحين دخل مسكين على السيدة عائشة رضي الله عنها، وسألها وهي صائمة وليس في بيتها إلا رغيف، فقالت لمولاة لها: أعطيه إياه. فقالت: ليس لك ما تفطرين عليه؟ فقالت: أعطيه إياه. قالت: ففعلت. قالت: فلما أمسينا أهدى لنا أهل بيت أو إنسان ما كان يهدي لنا: شاة وكفنها. فدعتني عائشة فقالت: كلي من هذا، فهذا خير من قرصك.

أما الآن فلقد أصبحنا نبحث عن أسباب لنقنع من حولنا بالبديهيات، نشرحها ونفصلها، وهناك من يستقبلها وكأنها «لوغاريتمات» للأسف، وان نميز بين ما يبدو بديهيا لشخص ما، وما هو بديهي بالفعل بالنسبة إلى كل العقول.

كما بالتأكيد أيضا لابد أن هناك من وجود بداهة شخصية خداعة ومضللة علينا ألا نتغافل عنها أو نتجاهلها، ألا نرى أحيانا أن المعاني التي نجزم ببداهتها هي المعاني الموافقة لميولنا وآرائنا ومعتقداتنا؟ ونحن نفهمها بسهولة ونمنحها قيمة موضوعية كاملة دون أن تكون مطابقة للحقيقة!

فلنعلم إذن أن ليس كل ما توجبه بديهة الإنسان صادقا، بل كثير منها كاذب، والصادق هو بديهة العقل المؤيدة بالحس والتجربة.

العقل فقط لا غير!

نقلا عن الأنباء

ads