بقلم فاطمة المزيعل: وعي متعثر
شهد الكويت في الأيام الماضية العديد من جرائم القتل البشعة، هذا بخلاف أن ازديادها من الأساس أصبح ملحوظا وبشكل كبير في مجتمعنا في الفترات الأخيرة وبطرق وحشية، وعند انتشار مثل تلك الجرائم في المجتمع، فإنها تجلب معها العديد من المشكلات الاجتماعية الأخرى، كانحلال القيم، والتعدي على حق الغير، وافتعال المشاجرة والعنف مع الآخرين، والانحطاط في التصرفات، والكثير من الاغترارات والأفعال الخاطئة، مما يؤدي إلى مشاعر الخوف وعدم الأمان النفسي والارتياح العام، إضافة إلى الأفكار السلبية التي تمنحنا شعورا بالقلق الدائم والجزع.
ظاهرة غريبة علينا، ولم تكن معروفة ولم تكن النفوس تجرؤ على استمرارية ردة الفعل أو الاندفاع مع الغضب إلى أن تصل إلى هذا الحد، وكان يحجزها عن ذلك المراقبة الذاتية لحدود الشرع وتهيب ديني لاقتحام مثل هذا الحاجز مهما بلغ سلطان الغضب أو تأثرت النفس بدافع الانفعال، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الصحيح المشهور: «من حمل السلاح علينا فليس منا». وجاء في الهدي الشريف للنبي صلى الله عليه وسلم محددا المنهج في التعامل مع السلاح كالآتي أنه لا يجوز لأحد أن يخيف أحدا بحديدة أو نحوها، وأنه إذا ما دخل الرجل مسجدا أو سوقا وهو يحمل سلاحا فإن الواجب عليه أن يتحرز تمام التحرز ألا يكون سيفه أو خنجره سببا في أذية أحد، وأرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن يمسك صاحب هذا السيف سيفه متحفظا عليه كي يشعر المجتمع الذي هو فيه بأن السيف ليس محمولا من أجل أحد ولا هو من أجل إخافة أحد، وإنما سبب ذلك أنه حصل اتفاق أو مصادفة أن يدخل الرجل بهذا السيف السوق أو المسجد، فاهتمامه بسيفه رسالة إلى من حوله أنكم في أمان.
ومثل تلك الجرائم في المجتمع ترتبط بظروفه وخصائصه، وكذلك المتغيرات التي حدثت به، والتي من أهمها: ضعف الوازع الديني والفهم الخاطئ للدين، فالمجتمع الآن يترنح ما بين الإفراط أو التفريط فإما تشددا واهتماما بالمظهر وليس الجوهر وصحيح الدين، وإما تفريطا وبعدا عن الدين، كما أن هناك الكثير من الأخطاء التي تحدث في التربية، فالتربية هي حجر الأساس في تشكيل الشخصية وتنشئتها تنشئة سوية، وغياب دور الآباء في التربية وانشغالهم بالحياة وإهمال الإشباع العاطفي للأبناء، تقود إلى جيل منحرف.
ذلك بالإضافة إلى غياب دور المدرسة في التوجيه والإرشاد، وثقافة المجتمع التي مازالت تعاني من الوعي المتعثر، وافتقارها إلى كل ما هو قيم، كما ان بعضا من تلك الجرائم تحكمها أحيانا العادات والتقاليد الخاطئة، ويدفع ثمنها المجني عليه وليس الجاني.
فمازالت ظاهرة الانتقام والعنف تحصد الأرواح وإن كانت بدأت في الانحسار، وذلك بسبب تلك العادات والتقاليد والتربية الخاطئة، بالإضافة إلى الإدمان، فالمخدرات تزيد من معدل الرغبة لدى المتعاطي في القتل والسرقة وارتكاب الجرائم، وتدمر طريقة حكمه على الأمور، كما أن الإدمان يعد من أكثر الأسباب التي تؤدي إلى زيادة معدلات الجريمة.
وكذلك الانفلات وموت الضمير يلعبان دورا أساسيا في زيادة معدلات الجريمة، كما أن العنف في الدراما أيضا من أكثر الأسباب التي تؤدي إلى ارتكاب الجرائم، مع غياب العدل والتعرض للظلم والقهر والقسوة، بالإضافة إلى الخلافات الأسرية والطلاق الذي يؤدي إلى انهيار الأسرة وضياع الأبناء، ويترتب عليه العديد من المشاكل، كالتسرب من التعليم وتشوهات نفسية للأبناء ومن ثم زيادة معدلات الجريمة، فانهيار المجتمع يبدأ من انهيار الأسرة، لذلك يجب أن تتضافر جميع الجهود للقضاء على الجريمة، تلك الظاهرة التي توجب على رجال القضاء أن يغلظوا العقوبة على كل من يستخدم مثل هذه الأسلحة في شجار أو خلافه، لأنه مخالف للشرع ومخالف للقانون الذي يجب أن ينصاع لهما الجميع.
كما لابد من تصحيح المفاهيم الدينية ونشر روح التسامح والرحمة وقبول الآخر في المجتمع، وكذلك العمل على نسف كل ما يخالف صحيح الدين، ويخالف الإنسانية والرحمة والعدل، ويجب أن يكون للمدرسة دور في التوجيه والإرشاد وتقديم القدوة للطلبة، ومن الضروري تأهيل المقبلين على الزواج ليصبحوا آباء وأمهات قادرين على تنشئة جيل سوي وتوعيتهم بأسس التربية الصحيحة.
نقلا عن الأنباء