بقلم إبراهيم أصلان: كنوز ربانيه

"والله جعل لكم من بيوتكم سكنًا وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتًا تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم، ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثًا ومتاعًا إلى حين." صدق الله العظيم
تلفت الآية الكريمة الأنظار إلى نعم الله المادية على الإنسان، كالمأوى واللباس ووسائل التنقل، وهي من دلائل تدبير الله ولطفه بعباده. فمنذ أن خلق الله آدم وحواء عليهما السلام، حثهما على الستر، وجعل اللباس ضرورة إنسانية وأساسية.
وفي هذه الآية نرى التدبير الإلهي لمسكن الإنسان في حله وترحاله، فقد هيأ الله له وسائل للسكن من جلود الإبل والبقر والغنم، تُصاغ في هيئة خيام سهلة الحمل والنقل. ونلحظ كذلك تنوع الموارد الطبيعية التي لا تزال إلى يومنا هذا ذات أهمية كبرى في حياة الإنسان؛ فمنها تُصنع الأحذية والخيام والمنتجات الجلدية المتنوعة.
الصوف، وهو من أقدم الألياف الطبيعية، يتميز بخواص حرارية وقدرة فائقة على امتصاص الرطوبة،
ووبر الإبل يتمتع بخفة ونعومة وقدرة على تحمل المناخ القاسي،
أما شعر الماعز فيُعد مكونًا أساسيًا في الحرف اليدوية.
إنه مشهد قرآني بالغ الروعة يدفع الإنسان للتفكر في عظمة خلق الله وتسخيره للأنعام في خدمة البشر.
فلا تغفل – أيها الإنسان – عن شكر هذه النعم.
ولا عجب أن تُعرف سورة النحل بـ"سورة النعم"، لكثرة ما ورد فيها من آيات تدل على نعم الله الظاهرة والباطنة.
فلنحمد المنعم، ولا نغفل عن الكنوز الطبيعية التي ذكرها القرآن الكريم قبل أكثر من 1400 عام، في إشارة واضحة إلى قيمتها الحيوية. وهي دعوة صريحة للمستثمرين للعودة إلى القرآن، فهو ليس كتاب دين فحسب، بل كتاب علم ونور وهداية.
تلك الموارد الطبيعية المتجددة لا تزال قادرة على دعم اقتصاد المجتمعات إذا أُعيد استثمارها بذكاء ووعي، فهي أكثر صداقة للبيئة من بدائلها الصناعية.
مشروع عربي إسلامي مشترك
من هنا انطلقت فكرة الدكتور إبراهيم أصلان، ابن مدينة دمنهور، ليقترح مشروعًا قوميًّا عربيًّا إسلاميًّا يهدف إلى نقل خبرات مصر العريقة في صناعة السجاد اليدوي إلى مدينة مكة المكرمة، بالتعاون مع هيئة المساجد السعودية، ووزارة الشؤون الإسلامية، والهيئة العامة للأوقاف بالمملكة.
تمتلك مصر رصيدًا حضاريًا عريقًا في هذه الصناعة، التي تعود إلى العصر الفاطمي والمملوكي، وبلغت ذروتها في العهد العثماني. يتميز السجاد المصري اليدوي بجودة الخامات، والدقة الفائقة في التصميم، ويُنسج باستخدام النول اليدوي ليُنتج لوحات فنية فريدة.
وتتنوع تصميماته بين الطابع الإسلامي، والفرعوني، والنوبي، والبدوي، ليُصبح بذلك تحفة فنية تحمل بين أنسجتها قصصًا من التراث وتاريخ الأجداد.
إرث عالمي من مصر إلى مكة
صناعة السجاد اليدوي ليست مجرد حرفة، بل تمثّل أحد أرقى الفنون التي تعكس هوية الشعوب وثقافتها. وقد أصبحت مصر من الدول الرائدة عالميًا في هذا المجال، وارتفعت صادراتها بشكل ملحوظ، ونجحت في دخول أسواق جديدة بمنتجات عالية الجودة.
ولا يمكن أن نغفل عن دور المدابغ، فهي الحلقة الأولى في تحويل الجلود الخام إلى منتجات صناعية قابلة للاستخدام. إذ تُعالج الجلود بعمليات دقيقة تحفظها من التلف، لتُستخدم لاحقًا في صناعات راقية مثل الأحذية، الحقائب، الأثاث، والمحافظ، بل وحتى أغلفة المصاحف.
وفى خطوة رائدة، شهدت السنوات الأخيرة افتتاح أول مدبغة لجلود الجمال بمدينة الروبيكي، وهي من أندر وأقوى أنواع الجلود، ما يمهّد لباب جديد في عالم الصناعات الجلدية، يدمج بين التراث والحداثة.
كلية هندسة غزل ونسيج بمكة: حلم يتحقق
نظرًا لتلك الأهمية، اقترح الدكتور إبراهيم أصلان تأسيس كلية متخصصة لهندسة الغزل والنسيج في مكة المكرمة، لتكون خطوة محورية في بناء صناعة نسيجية متكاملة وقادرة على المنافسة العالمية.
وتهدف الكلية إلى تأهيل كوادر فنية متخصصة، وتعزيز الاكتفاء المحلي، وتقليل الاعتماد على الاستيراد.
مصنع سجاد مكة: منبع البركة
ومن المخطط أن يثمر هذا المشروع عن مصنع سجاد ضخم في مكة المكرمة، يُنتج سجاد الصلاة لفرش كافة مساجد السعودية، بل وجميع مساجد الدول الأعضاء في البنك الإسلامي للتنمية، وعددها 57 دولة إسلامية وعربية.
وتحت شعار "صُنع في مكة"، سيكون هذا المصنع سفيرًا حضاريًا لصناعة الأنعام والزخرفة الإسلامية، كما يُتوقع أن يُوسّع نطاق إنتاجه ليغطي احتياجات العالم الإسلامي، ويوفر فرص عمل في مجالات التصنيع، الجودة، التوزيع، والتصدير.
مسك الختام: سجادة صلاة للحاج والمعتمر
وسيكون مسك ختام هذا المشروع المبارك تقديم "سجادة صلاة" كهدية رمزية لكل حاج ومعتمر، تعبّر عن الامتنان، وتظل ذكرى خالدة من رحلتهم الإيمانية،
فلا تنتهي رحلة العطاء عند حدود الفرش، بل تمتد إلى كل قلب يذكر الله على سجادةٍ كانت يومًا ثمرة جهد مخلص، ورسالة محبة وسلام من أرض الحرمين.
:ad:autoads]]