حازم البهواشي يكتب: يا رب يموت!!
ـ حين يَشعر المراهقُ بأن أباه يـُـضـَـيـِّـق عليه، فإنه يَعتقدُ أن الخلاصَ مما هو فيه لن يتمَّ إلا بموت أبيه!! فيدعو ـ في نفسه غالبا ـ قائلا: (يا رب يموت)!! ظانًّا أنه بموته سينال حريته!!
ـ حين يحصل أحدُهم على المركز الثاني، يظنُّ أن المركزَ الأول سيكون من نصيبه إذا مات صاحبُه!! فيقول في نفسه: (يا رب يموت)!! ظانًّا أنه بموته سينال المركزَ الأول!!
ـ حين لا يُعجبنا كتابٌ ما، فإننا نلجأ إلى المطالبة بعدم نشر الكتاب!! ظنًّا أنه بموته (الكتاب) سننالُ وينالُ المجتمعُ راحةَ البال مما به من أفكار!!
ـ حين لا يُعجبنا كاتبٌ ما، فإننا ندعو إلى منعِه من الكتابة، وعدمِ نشر مقالاتِه وأفكاره، وربما لموتِ الكاتب!! ظنًّا أنه بموته (الكاتب أو الفكرة) سنستريح ونهدأ، وسيُصبح كلُّ شيءٍ على ما يُرام!!
ـ الخلاصة:
دائمًا ما ننتصرُ للحَلِّ الخارجي الذي لا يُكلفنا، ونبتغي قوةً عُلويةً تُحققُ لنا ما نريد، دون أن نُتعِبَ أنفسَنا في شيء!!
إننا ننتصر لثقافة (يا رب يموت) على ثقافة المواجهة والفعالية، والتعامل بالتي هي أحسن، ومحاولة أن نُغيِّرَ من أنفسنا، ونكونَ فاعلين مؤثرين قادرين على الوصول لمنطقةٍ وسطى في التعامل مع الآخر.
ـ مثال من ثقافة مختلفة (بريطانيا):
مدرب الأميرة "ديانا" ( 1 يوليو 1961م : 31 أغسطس 1997م ) الذي أصدر كتابًا يتحدث فيه عن علاقتِهما، متوهمًا أنه سيَربحُ الكثير!! لم يبعْ هذا الكتابُ أكثرَ من أربع وخمسين نسخة!! لا لشيءٍ إلا لأن المجتمعَ أعلن مقاطعتَه لهذا الكتاب الذي أساءَ لأميرة قلوبهم، ونحا صاحبُه منحى غيرَ أخلاقي!!
هذا هو الفارق بين مجتمع ثقافة (يا رب يموت)، ومجتمع آخر فعال!!
حين قال نبيُّنا مُحمد _ صلى الله عليه وسلم _: (إنما الناسُ كالإبلِ المِائة، لا تكادُ تجِدُ فيها راحلة)!! كان يُخبرُنا أنَّ مَن يَصلُحُ للصُّحبةِ والقيامِ بالمُهمات قليلون، أنَّ الفاعلين قليلون.
الشخص الفارغ الذي لا ينظر إلا لنفسه لا يكون فعّالًا، الشخص الذي لا يحب لأخيه ما يحب لنفسه، شخص غير سليم القلب، ينبغي عليه أن يُعيدَ النظرَ في ذلك!!
أَحَبُّ الناس إلى الله _ تعالى _ أنفعُهم للناس، والمشيُ في حاجة الناس أحبُّ من الاعتكاف في المسجد النبوي، وأحبُّ الأعمال إلى الله سرورٌ تُدخِلُه على قلب أخيك، أو كربةٌ تكشِفُها عنه، أو دَيْنٌ تَقضيه، أو جوعٌ تطردُه، أو غضبٌ تكُفُّه، أو غَيْظٌ تكظِمُه، هذه كلُّها من التعاليم المحمدية التي نسيناها أو لم نتعلمها، تعاليمُ تدعو إلى أن يكونَ المرءُ فعّالًا صاحبَ هدف كما كان الأولون.
يقول الشيخ "محمد الغزالي" (1917م _ 1996م): "إن الـمـؤمـنـيـن الأقـدمـيـن كـانـوا يُـمـثـلـون جِـيـلًا مِـن أحـرارِ الـعـقـول وكـبـارِ الـقـلـوب، كـانـوا فـي أسـواقِ الـمـال وسـاحـاتِ الـقـتـال جِـنَّ سُـلـيـمـان، فـلـمـا نـصـرَهُـمُ اللهُ بـعـدَ مِـحـنـتِـهـم مَـلأوا الـدنـيـا حـضـارة ونـضـارة".
"..... إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۗ ..... " ( الرعد ـ 11 )