شخصيتنا اليوم هي حليمة الغسانية، والتي كانت من جميلات العرب الغساسنة، كان جمالها فتنة أثارت شباب الغساسنة، فكانوا يتقاتلون بسببها، حتى أن أبيها طلب مهرها رأس ملك ملوك الحيرة، وقد حدث بالفعل.

ضرب بجمالها الأمثلة، فكان أشهرها المثل القائل: "وما يوم حليمة بسر"، وهو مثال ضرب عن حرب أهلها مع ملوك الحيرة، وقد سمي يوم الحرب التي جرت بين الغساسنة والحيرة بيوم حليمة.

قصة هذا اليوم هو أن والدها ملك الغساسنة، جلس في قصره ودعا ابنته حليمة، وكانت من أجمل النساء، فأعطاها عطرا وأمرها أن تطيب من يمر بها من جنده.

فجعلوا يمرون بها وتطيبهم، ثم نادى: "يا فتيان غسان، من قتل ملك ملوك الحيرة زوجته ابنتي"، وقد استطاع لبيد بن عمر الغساني قتل المنذر وأتى برأسه للحارث الغساني.

ولكنه للأسف لم يتزوجها، وذلك لأنه قتل بعدما عاد لمواصلة القتال، حيث تم قتله في المعركة من قبل رفاق أخ ملك الحيرة الذي عاود القتال ليأخذ بثأر أخيه.

نسبها ونشأتها

اسمها حليمة بنت الحارث بن أبي شمر بن جبلة الغساني، من ملوك الغساسنة، كان مولدها في 518م، عرفت بجمالها الذي كان يخطف القلوب والعقول قبل الأبصار، ويمتد نسبها إلى صاحب المعلقات امرؤ القيس.

والدها هو الحارثُ بن أبي شِمرَ بن الحارثِ بن جبلةَ بن الحارث بن ثعلبة بن عمرو بن جفنة بن عمرو مُزيقياء بن عامرٍ ماء السماء بن حارثة الغطريف بن امرئ القيس بن ثعلبةَ بن مازن بن الأزد، ملك غساني حكم الغساسنة من سنة 529م إلى 569م.

والغساسنة هي قبيلة عربية أسسوا مملكة في الشام ضمن حدود الإمبراطورية البيزنطية في فترة ما قبل الإسلام، وأطلق عليهم أيضاً بآل جفنة، وسبب تسميتهم بآل جفنة، لانتسابهم إلى جد أعلى يدعونه جفنة بن عمرو مزيقياء وهو مؤسس قبيلة غسان في اليمن.

نشأت حليمة بين أبناء قبيلتها في الشام التي هي سوريا حاليا، وكانت قبيلتهم في عداء مع مملكة الحيرة التي كانت تصارعهم حكم شمال وجنوب شبه الجزيرة العربية.

برز جمال حليمة بعدما وصلت لمرحلة البلوغ، فكان كل من يراها من شباب قبائل الغساسنة يهيم بها شوها، وكانوا يتبارزون ويتقاتلون أمامها لإظهار قوتهم لعلها تختار واحدا منهم زوجا لها.

اقرأ أيضًا..

«بترقص في الأفراح» ما حكم امتناع المرأة عن الرقص لزوجها؟.. «الإفتاء» تُجيب

العداوة بين والدها وملك الحيرة

كان ملك الحيرة المنذر بن ماء السماء عاملًا للفرس، وقد اشتعلت العداوة بينه وبين الحارث بن جبلة والد حليمة، وتعددت بينهما الوقائع، وانتهت بمقتل المنذر وانتصار الحارث سنة 554 م بالقرب من قنسرين، وكان رأس المنذر مهرا لحليمة.

وقد ذهب الحارث والد حليمة سنة 563م إلى القسطنطينية عاصمة الدولة الرومانية آنذاك، لكي يناقش القيصر في الاستعداد لمواجهة خليفة المنذر، وحدثت معركة كبيرة راح ضحيتها خطيب حليمة.

يوم حليمة

أما عن قصة المثل، وتسمية يوم الحرب بين الغساسنة والحيرة بيوم حليمة، فتعود قصته عندما تولى المنذر بن ماء السماء ملك الحيرة، واستقر في ملكه سار إلى الحارث بن جبلة الغساني والد حليمة وملك الغساسنة طالباً بثأر أبيه عنده.

وبعث إليه بأنه قد أعدد له الكهول على الفحول، فأجابه الحارث: قد أعددت لك المرد على الجرد، وسار المنذر حتى نزل بمرج حليمة، وسار إليه الحارث أيضاً، ثم اشتبكوا في القتال.

ومكثت الحرب أياماً ينتصف بعضهم من بعض، فلما رأى ذلك الحارث قعد في قصره، ودعا ابنته حليمة، وكانت من أجمل النساء، فأعطاها طيباً وأمرها أن تطيب من مر بها من جنده.

فجعلوا يمرون بها وتطيبهم، ثم نادى: يا فتيان غسان، من قتل ملك الحيرة، زوجته ابنتي، فقال لبيد بن عمرو الغساني لأبيه: يا أبت؟ أنا قاتل ملك الحيرة أو مقتول دونه لا محالة، ولست أرضى فرسي فأعطني فرسك، فأعطاه فرسه.

فلما زحف الناس واقتتلوا، شد لبيد على المنذر فضربه ضربة، ثم ألقاه عن فرسه، وقطع رأسه، وانهزم جيش المنذر من كل وجه، ونزل لبيد فاحتز رأسه، وأقبل به إلى الحارث وهو على قصره ينظر إليهم.

فألقى الرأس بين يديه، فقال له الحارث : شأنك بابنة عمك أي حليمة، فقد زوجتكها، فقال: بل أنصرف فأواسي أصحابي بنفسي، فإذا انصرف الناس انصرفت، ورجع لبيد إلى الجيش ليلحق به.

لكنه صادف أخوات المنذر قد رجعوا إليه وهم على رأس جيش صغير، فقاتل لبيد حتى قتل، ولكن في المقابل كان جيش الحيرة يقاتل في مرج حليمة مع الغساسنة، فهزموا شر هزيمة، وأسر الغساسنة كثيراً ممن كانوا مع المنذر من العرب.

وكان ممن أسروهم الغساسنة مائة من بنى تميم، فيهم شأس بن عبدة، ولما سمع أخوه علقمة وفد إليه مستشفعاً، وقال مدحا في الحارث ملك الغساسنة،  فأطلق صراح شأس وقال له: إن شئت الحباء، وإن شئت أسراء قومك.

وقال لجلسائه: إن اختار الحباء على قومه فلا خير فيه، فقال: أيها الملك، ما كنت لأختار على قومي شيئاً، فأطلق له الأسرى من تميم وكساه وحباه، وفعل ذلك بالأسرى جميعهم وزودهم بالمال والملبس والماكل كثيراً.

فلما بلغوا بلادهم أعطوا جميع ذلك لشأس وقالوا له : أنت كنت السبب في إطلاقنا، فاستعن بهذا على دهرك، فحصل له كثير من إبل وكسوة وغير ذلك، وفي هذا اليوم ضرب المثل: "ما يوم حليمة بسر".

وبعد أن انتصر الحارث على المنذر وجيشه وقتله، استدعاه امبراطور الروم واعطاه لقب البطريق.

رسالة النبي صلى الله عليه وسلم له

كان ممن أرسل النبي عله الصلاة والسلام، كتبا يدعوهم فيها للإسلام الحارث بم أبي شمر الغساني والد حليمة، وتضمن كتاب النبي: "الحارث بن أبي شمر.. بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى الحارث بن أبي شمر: سلام على من اتبع الهدى، وآمن بالله وصدق، وإني أدعوك أن تؤمن بالله وحده لا شريك له، يبقى لك ملكك".

فلما قرأ الكتاب رمى به، وقال: من ينتزع مني ملكي؟ أنا سائر إليه ولو كان باليمن جئته، عليّ بالناس، فلما بلغ النبي ماحدث من الحارث قال:"باد ملكه"، ولم يزل سنوات حتى أبيدت مملكته عن كاملها، وتوفي الحارث في عام فتح مكة حزنا على ملكه.

أما ابنته حليمة فقد تزوجت من أحد فرسان الروم، بعدما أنعم ملك الروم على والدها الحارث وأعطاه لقب البطريق، وعاشت بينهم وانجبت بنين وبنات، ولم يذكر المؤرخون عن تاريخ وفاتها شيئا.

اقرأ أيضًا..

حكم التلفظ بالكلمات البذيئة والشتائم بين الزوجين أثناء العلاقة الحميمة؟.. «الإفتاء» توضح