حازم البهواشي يكتب: لمحةٌ في ذكرى صاحب الخلق العظيم
كلما
خَبَرَ المرءُ الحياة، وزادت تجاربُه ومعارفُه، أيقنَ بعظمةِ رسول الله..
إذا
كنتَ مسؤولا عن شركة أو مؤسسة، ولك زوجة وأولاد، ولك أعداءٌ لا يألون جهدًا في
التآمر عليك، هل يمكن أن يراك الناسُ مبتسمًا دومًا، وتظلَّ محتفظًا بسلامك
النفسي؟!
استعرِضْ
سيرةَ النبي، وأجبْ عن السؤال:
كيف
استطاعَ النبيُّ مُحمد _ صلى الله عليه وسلم _ أن يظلَّ مُحتفِظًا بسلامِه النفسِي
_ حتى إنه لم يَكُنْ يُرَى إلا مُبتسِمًا _ رَغْمَ هَذَا القَدْرِ الهَائِل مِنَ
المِحَن والمَصَاعِب التي تعرَّضَ لها؟!!
هَذِه
هِيَ عَظَمةُ النبيِّ ( مُحمد ) الذِي اعتلَى الخُلُق، وكانَ بِمَا فِي يَدِ الله
أوثَقَ مِمَّا فِي يَدِه.
تأملْ
معي بعضَ هذه المِحَن التي مَرَّ بها:
1-
ماتَ أبُوه وهُو في بَطْنِ أمِّه، وماتتْ أمُّه ولمْ يتجاوز السادسةَ من عُمره، وماتَ
ستةٌ من ولدِه في حياتِه !! وطالت الإشاعاتُ الدنيئةُ زوجتَه إفكًا وبُهتَانًا
وزُورًا !! وفي أحلكِ وأصعبِ اللحظات.. كانَ يَخْسَرُ مَنْ يَدْعَمُه مِن البَشَر
!!
2-
اتُّهِمَ بالجنون / بالسحر / بالكذب / بالإتيان بالأساطير !!!
3-
تعرَّضَ للمُساوَمَةِ على دعوتِه !!
4-
تعرَّضَ للسَّبِّ والاعتِداء !!
5-
خَنَقُوهُ خَنْقًا شَدِيدًا وهُوَ يُصَلِّي !!
6-
وضعُوا على ظهرِه ( سَلا الجَزُور ) وهُوَ يُصَلِّي ( اللُّفَافة التي يكونُ فيها
الولدُ في بطن الناقة وسائرِ الحيوان، وهي المَشِيمَةُ عِنْدَ الإنسَان )
وطرحَتْها عنه ابنتُه فاطمة وهي صَغِيرة !!
7-
حُوصِرَ مَعَ أصْحَابِه ثلاثَ سَنَوات في شِعْبِ أبي طَالِب، حيثُ لاقَوْا فيه
الجُوعَ والحِرمانَ، والتَّعبَ الشديد !!
8-
سَبُّوهُ ورمَوْهُ بالحِجَارةِ في الطَّائِف !!
9-
حاولوا قتلَه وتآمَرُوا عليه ( المشركون واليهود ) !!
10-
أخرجُوهُ مِن وطنِه، وحاربُوه !!
فهلْ
مَرَّ عَلَى أحدٍ مِنَّا مِثْلُ هَذِه الظروفِ مُجتمِعة؟! هلْ إذا مَرَّتْ عَلَى
أحَدٍ مِنَّا سَيَظَلُّ عَلى سَلامِه النَّفْسِيّ؟! " وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ
خُلُقٍ عَظِيمٍ " ( القلم _ 4 ).
وتأمّلْ
معي هذا الموقف:
ـ
هربَ من ( مُحمد ) ومعه أهلُه، لكنه نسِيَ أختًا له، فكانت من السبايا وذهبَ بها
الجيشُ إلى المدينة!!
ـ
قالت لـ ( مُحمد ):
إنَّ
أبي كان سيدَ قومِه، يَفُكُّ العاني ( الأسير )، ويَعفو عن الجاني، ويَحفظُ الجار،
ويحمي الذِّمَار ( ما ينبغي حمايتُه والدفاعُ عنه كالأهل والعِرض، وتُقالُ في مقام
المدح )، ويُفرِّجُ عن المكروب، ويُطعِمُ الطعام، ويُفشِي السلام، ويَحمِلُ الكَلّ
( الضعيف )، ويُعين على نوائب الدَّهر، وما أتاه أحدٌ في حاجةٍ فردَّه خائبًا، أنا
بنتُ ( حاتمٍ الطائي )*.
إن
رأيتَ أن تُخَلِّيَ عني، ولا تُشْمِتْ بيَ أحياءَ العرب !!
ـ
قال ( مُحمد ):
أكرِمُوا
عزيزَ قومٍ ذلَّ، وغنيًّا افتقر، وعالِمًا ضاعَ بين الجُهَّال، يا جارية، هذه
صفاتُ المؤمنين حقًّا، ولو كان أبوكِ مُسلِمًا لترحَّمْنَا عَليه.
ـ
ماذا فعل ( مُحمد )؟!
أطلقَ
سراحَ قومِها جميعًا تكريمًا لها، وكساها، ومَنحَها ناقةً تحمِلها، وأعطاها نفقةً
تكفيها، ولم يَسمحْ لها بالخروج إلا مع مَن تثقُ به، كي يُبْلِغَها أهلَها بسلام.
استأذنتْ
( مُحمدًا ) بالدعاء، وقالت:
(
أصابَ الله بِبِرِّكَ مَوَاقِعَه، ولا جَعَلَ لك إلى لئيمٍ حَاجَة، ولا سَلَبَ
نِعْمَةً عن كريمِ قومٍ إلا جَعلكَ سببًا في رَدِّهَا ).
ـ
عادتْ ( سَفَّانة ) لأخيها ( عَدِيّ ) حيث هربَ ( في الشام )، قال لها: ما
تَرَيْنَ في هذا الرجل؟!
قالت:
أرى والله أن تَلحقَ به سريعًا؛ فإني رأيتُ فيه خِصَالًا تُعجبني، رأيتُه يحب
الفقير، ويَفُكُّ الأسير،
ويرحمُ
الصغير، ويَعرِفُ قدرَ الكبير، وما رأيتُ أجودَ ولا أكرمَ منه…. ( فلحِق به وأسلَم
) كما أسلمتْ هي.
ولعلَّ
في قصة قدوم ( عَدِيّ ) إلى المدينة ودخولِه على صاحبِ الخُلُقِ العظيم النبي
مُحمد _ صلى الله عليه وسلم _ ما يستحقُّ أن تبحثَ عنه أيها القارئ الكريم، فما
أشبهَ الليلةَ بالبارحة !!
ـ
هل رأيتُم عظمةً فوق هذه؟ أرى والله أن نلحقَ به سريعًا، "وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ
خُلُقٍ عَظِيمٍ". ( القلم _ 4 )
* ( حاتم الطائي: شاعر عربي، أمير قبيلة طيء النجدية، اشتُهِرَ بالكرم والجود، وقد وُلِدَ وعاش قبل الإسلام، لم تُعْرَف سنة ميلاده، ويُقال إنه توفي عام 46 قبل الهجرة ).