الجمعة 22 نوفمبر 2024 الموافق 20 جمادى الأولى 1446
رئيس مجلس الإدارة
خالد جودة
رئيس مجلس الاداره
خالد جوده

حازم البهواشي يكتب: بين البساطة والتكلف!!

الأربعاء 31/أغسطس/2022 - 03:47 م
هير نيوز

سيطرت المظاهرُ علينا، وأصبح التكلفُ سِمةً من سمات العصر، نُجهد أنفسنا لنَظهرَ بمظهر معين، أو لنجاريَ الآخرين بما لا قِبَلَ لنا به !! ونَدخلُ في صراعٍ نفسيّ بسبب الشكليات والمقارنات، إذا دعَوْنَا أحدًا لمناسبة تكلفنا، وإذا دُعينا تكلفنا، إذا فرِحنا تكلفنا، وإذا حزِنَّا تكلفنا!!


درس البساطة الأول الذي تعلمتُه في حياتي تمثل في منزل فضيلة الشيخ/ (محمد السيسي) _ رحمه الله _ بقرية كفر شبرا اليمن _ زفتى _ غربية، الذي كان أستاذًا لوالدي _ رحمه الله _ وأستاذًا للدكتور (نصر فريد واصل) مفتي الجمهورية الأسبق _ حفظه الله _، هذا المنزل الذي كنتُ أرتاده في طفولتي كل حين، وكنتُ أفرح بالجملة التي يرددها أبي على مسامعي: ( استعد، هتيجي معاية النهاردة نزور الشيخ السيسي )، لم تكن الزيارة بموعد مسبق؛ فالشيخ كان يجلس في المنزل دومًا لكبر سنه، وبابه مفتوح للجميع، ينشرح صدرك عند دخول بيته البسيط الجميل المنظم، تشعر فيه بالراحة النفسية، تشرب كوب الماء فترتوي، وفنجان القهوة فلا تجد مثله في أي مكان، وتأكل الخبز والجبن والبيض والجرجير فتشعر بحلاوة الطعام، وكأنه من طعام الجنة حقا، ولسان حال الشيخ يقول بكل محبة ( كلوا واشربوا هنيئًا )، تتمنى ألا تترك هذا البيت رغم بساطة بنائه وأثاثه، ويعلمني والدي الدرس: ( البيت بسُكَّانه )!!


لم نكن نحتاج إلى هديةٍ أو ما شابه للزيارة؛ فالتكلف يكون عائقًا عن التواصل، ودفء التواصل يفوق قيمة أي هدية.


وعلى العكس من تلك البساطة، دخلتُ بيتًا بدا أنه كان فخمًا، لكنه أصبح مظلمًا رغم وجود سكانه فيه !! وسألتُ عن السبب، فقيل: إن صاحب هذا البيت كلّف نفسه الكثير في حياته ليبدو على صلة بكبار المسؤولين في المنطقة، حتى يقال: إنه يعرف (فلان بيه، وفلان بيه)، وبدأ هؤلاء في استغلاله بـ ( هات وهات )، وانتهى به الحال إلى أنه لم يعد يستطيع دفع فاتورة الكهرباء لمنزله فصار مظلمًا، ولم ينفعه ( فلان بيه ) !!! وأعود لأحكي لوالدي ما رأيتُه من ظلام بيت فلان، وقد كان يعرف تاريخ الناس جيدًا، فيردد نفس الجملة على مسامعي: ( يا ابني البيت بسُكَّانه ) !!!


المتأمل في أمثالنا الشعبية يعرف أن ( الجودة بالموجودة )، فلا تُجهد نفسك ولا تكلفها حين يأتيك ضيف، وكذلك لا تبخل بما عندك، وكذا الحال في كل شيء، لقد كان التكلف في الأفراح، فأصبح أيضًا في المعازي والمآتم، التي تحولت إلى لون من ألوان التباهي و( المنظرة )!!


من هدي رسول الله: ( لا تتكلفوا للضيف ) - والحديث قوي بمجموع طرقه - ويقول عمر بن الخطاب: ( نُهِينَا عَنِ التَّكَلُّفِ )، وحين وصف عبد الله بن مسعود صحابة رسول الله، قال: ( أولئك أصحاب محمد كانوا أفضل هذه الأمة، أبرها قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلها تكلفًا … ).


البساطة عنوان الجمال الحقيقي، تجذب القلوب، وتطمئن النفوس… البساطة حلوة، فلا تتكلفوا يرحمكم الله.


ads