هل خلقت حواء من ضلع أعوج؟.. إليكِ رأي الفقهاء والأئمة
السبت 30/يوليه/2022 - 11:03 م
حسن الخطيب
لابد أنكم سمعتم كثيرا عن حديث "خلقن من ضلعن أعوج" والقصد هنا على حواء وبنات جنسها، وهذا ما ذُكر في الحديث الشريف الذي ورد في رواية البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "استوصُوا بالنِّساءِ خيرًا، فإنَّهنَّ خُلِقْنَ مِن ضِلَعٍ، وإنَّ أعوجَ شيءٍ في الضِّلع أعلاه، فإنْ ذَهبتَ تُقِيمه كَسَرْتَه، وإنْ تركْتَه لم يزلْ أعوج، فاستوصُوا بالنِّساء خيرًا"، فهل فعلا خلقت حواء من ضلع أعوج، أم هناك روايات أخرى وتفاسير مختلفة عن خلق حواء من ضلع أعوج.
لم يكن هدف الحديث بالتأكيد انتقاصًا من مكانة حواء وبنات جنسها، خاصة أن الكثيرين ممن يوجهون سهام النقد لكتب السنة يرون فيها انتقاصًا للمرأة ويستدلون بهذا الحديث الشريف، وذلك راجع لعدم فهمهم له، فمن يقرأ الحديث يجد أن النبي عليه الصلاة والسلام افتتح حديثه بالوصية خيرا بالنساء فتركوا هذه الوصية وغفلوا عنها ولم يروا سوى جملة "الضلع الأعوج".
ووفقا لعلماء الحديث فإن النبي صلى الله عليه وسلم أراد المعنى المجازي وليس اللفظي، فهنا الحديث الشريف بدأ بتوصية الرجال خيرا بالنساء وختم بالتوصية مرة أخرى أيضا، فيقول صلى الله عليه وآله وسلم: "استوصوا بالنساء خيرًا، فإنهنَّ خُلقن من ضلعٍ، وإن أعوج شيءٍ في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركتَه لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنِّساء خيرًا".
ومعنى الحديث هنا واضح فنجده يلفت الانتباه إلى مراعاة مشاعر النساء لأن لها تركيبة خاصة، وحتى يتضح الأمر للرجال فقد ساق النبي عليه الصلاة والسلام مثالًا بالضلع الذي هو معوج ليحمي الصدر والقلب، فالضلع الأعوج ينكسر إن حاولت تقويمه أو معاملته بالقوة، وهكذا المرأة، فلا بد أن تعاملها بلطف في كل حال، فالخلق هنا خلق معنوي لا لفظي، مثل قوله عليه الصلاة والسلام "رفقا بالقوارير" فهي ألفاظ استخدمت من قبيل الاستعارة والتشبيه، فهل كان قصد النبي الرفق بالقارور "الأواني" أم النساء؟
وبينت دار الإفتاء المصرية ذلك بعد سؤال وجه لها بهذا الشأن عبر صفحتها بمواقع التواصل الاجتماعي، حيث أكدت أن هناك قولين في كون حواء مخلوقة من آدم: الأول، وهو الذى أكد عليه الأكثرون بأنه لما خلق الله آدم ألقى عليه النوم، ثم خلق حواء من ضلع من أضلاعه اليسرى، واحتجوا بحديث مسلم "إن المرأة خلقت من ضلع أعوج".
أما الرأي الثاني فهو اختيار أبى مسلم الأصفهاني بأن المراد من قوله تعالى "وخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا" أي فى جنسها، وهو كقوله تعالى: " وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَٰجًا"، موضحة أن خلق حواء من آدم ليس أمرا متفقا عليه، فقد يكون خلقها من نفسه يعنى أنها خلقت من جنسه وهو الطين وليس من النور أو النار حتى يمكن أن يسكن إليها، وما جاء فى الأحاديث أنها خلقت من ضلع قد يراد به التشبيه فليس هناك نص قاطع في الثبوت والدلالة على خلقها من ضلع آدم.
وعلق النووي على الحديث في كتاب شرح صحيح مسلم بقوله: وفيه دليل لما يقوله الفقهاء أو بعضهم أن حواء خلقت من ضلع آدم، قال تعالى { خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} وبيَّن النبى صلى الله عليه وسلم أنها خلقت من ضلع، وفى هذا الحديث ملاطفة النساء والإحسان إليهن والصبر على عوج أخلاقهن واحتمال ضعف عقولهن وكراهة طلاقهن بلا سبب، وأنه لا يطمع باستقامتها والله أعلم".
بينما يعلق الإمام الشوكاني على الحديث في كتابه "نيل الأوطار" بقوله: "والفائدةُ في تشبيه المرأة بالضِّلع: التنبيهُ على أنَّها معوَّجة الأخلاق، لا تستقيم أبدًا، فمَن حاول حملَها على الأخلاق المستقيمة أفسَدَها، ومَن تركَها على ما هي عليه مِن الاعوجاج انتفع بها، كما أنَّ الضِّلع المعوج ينكَسِر عندَ إرادة جعلِه مستقيمًا وإزالة اعوجاجه، فإذا تَرَكه الإنسانُ على ما هو عليه انتفعَ به".
وتابع: "أراد بقوله: وإنَّ أعوجَ ما في الضِّلَع أعلاه"، المبالغة في الاعوجاج، والتأكيد لمعنى الكَسْر بأنَّ تعذُّر الإقامةِ في الجِهة العليا أمْرُه أظهر، وقيل: يُحتمل أن يكونَ ذلك مثلًا لأعلى المرأة؛ لأنَّ أعلاها رأسُها، وفيه لسانُها، وهو الذي ينشأ منه الاعوجاج، وقيل: أعوج هاهنا مِن باب الصِّفة، لا مِن باب التفضيل؛ لأنَّ أفعلَ التفضيل لا يُصاغ مِن الألوان والعيوب.
وخلاصة القول أن الحديث الذي قيل فيه "خلقن مِن ضِلع أعوج" قد صدر على سبيل توصية الرجال بالنِّساء خيرا ورعايتهن، ولذلك وجب على الرجل أن يحسن إليهن ويعاشرهن بالمعروف، والحديث في صحيح البخاري جاء في باب توصية الرجال بالإحسان إلى النساء، وكما يقال "فقه البخاري في تبويبه".
اقرأ أيضًا..