إذا جاءك المهاجرات... "هن" شريكات في الهجرة ورفيقات في الكفاح من أجل نشر الإسلام
الجمعة 29/يوليه/2022 - 11:24 م
حسن الخطيب
ونحن في بداية العام الهجري الجديد وتذكرنا لهجرة النبي عليه الصلاة والسلام، لايمكننا أن نتناسى أو نتغافل عن الدور الكبير الذي قامت به المرأة في إنجاح الهجرة النبوية، وكافحن من أجل قيام ونشر الإسلام، فلقد كان للصحابيات دور كبير في الهجرة، حيث شاركت الصحابيات جنبا إلى جنب مع الرجال الذين هاجروا، سواء من مكة إلى الحبشة أو إلى المدينة، ومن أبرز الصحابيات المهاجرات اللائي كان لهن دور في الهجرة سواء هجرة الحبشة وهجرة المدينة هؤلاء:
ذات الهجرتين
وهي السيدة رقية بنت النبي من زوجته السيدة خديجة، وهي زوجة عثمان بن عفان، ولدت بعد أختها الكبرى زينب، وقبل بعثة النبي عليه الصلاة والسلام، بسبع سنوات، وتربت في بيت النبوة، وعاشت مع النبي عليه الصلاة والسلام أيام البعثة الأولى، ولما كبرت، طلبها أبو لهب لابنه عتبة فتزوجها، ولم تكمل معه طويلا حيث أعلنت إسلامها مع أبيها، وبعد نزول سورة "المسد" أجبر أبي لهب ابنه عتبه بطلاق السيدة رقية فطلقها.
ولم تمكث طويلا في بيت ابيها حتى جاء يخطبها عثمان بن عفان، فوافق النبي عليه الصلاة والسلام، فألهب هذا الزواج الغيظ وأثار الأحقاد في نفوس كفار مكة، فدبروا لهم وأذاقوهم صنوفا من العذاب، ولما رأي النبي عليه الصلاة والسلام ما لاقاه عثمان وزوجته رقية، أذن لهما بالهجرة إلى الحبشة فهاجرا، وبعد سنوات قليلة عادا إلى مكة مرة أخرى، ولكن فوجئوا بأن أهل مكة لازالوا على عنادهم وكفرهم، وفور وصولهم استقبلهم كفار مكة بالإيذاء، فاستئذنوا النبي عليه الصلاة والسلام في الهجرة فأذن لهم بالهجرة إلى المدينة.
وعقب وصولهم توفي ابنام عبد الله وهو في السادسة، فتأثرت السيدة رقية كثيرا بوفاته، ولم تلبث أياما حتى اصيبت بالحمى، فكان يلازمها زوجها عثمان بن عفان، حتى نادى منادي الجهاد بالخروج في الغزوة في بدر، فتأهب الصحابي الجليل واخذ معه سيفه وخرج مودعا زوجته التي ترقد من الحمى، لكن النبي عليه الصلاة والسلام اعاده إلي زوجته المريضة ليكون بجوارها، حتى لاقت ربها، فتولى زوجها تغسيلها وتكفينها ودفنها، وكان ذلك في اليوم الذي جاء به زيد بن حارثة إلى المدينة حاملا خبر انتصار المسلمين في غزوة بدر.
المهاجرة إلى الله
وهي أم المؤمنين أم حبيبة بنت أبي سفيان زوجة النبي، كانت قبل زواجها من النبي متزوجة من عبيد الله بن جحش ولما بعث النبي، كانت من السابقين الأولين، فأسلمت مع زوجها، ولما اشتد عذاب كفار مكة للنبي، أذن لهم بالهجرة إلى الحبشة، فهاجرت ومكثت مع زوجها سنوات ولدت له ابنتها حبيبة، وبعد أن استقرت في الحبشة فاجأتها محنة شديدة وعصيبة، حيث قامت ذات ليلة من نومها مذعورة، وقد روعها حلم مرعب رأت فيه زوجها عبيد الله في أسوأ صورة.
ولما أصبحت أخبروها أن زوجها قد ارتد عن دينه، فعاشت في غم وحزن وحيدة في بلد غريبة حتى اعتزلت الناس، وبعد أن انقضت عدتها من طلاقها، جاءها رسول الملك النجاشي يستأذن لها في توكيل من يزوجها، ودعا جعفر بن أبي طالب ومن هناك من المسلمين فحضروا، وخطب النجاشي فيهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلي أن أزوجه أم حبيبة فأجبت، وقد أصدقتها عنه أربعمائة دينار، وتزوجها النبي.
ثم هاجرت مع من هاجروا مع جعفر بن ابي طالب، إلى المدينة وأقامت مع بقية أمهات المؤمنين ومعها ابنتها حبيبة ربيبة رسول الله، والتي تزوجها فيما بعد داود بن عروة بن مسعود الثقفي، وكان لها بصمات ساطعة في تاريخ الإسلام، واصبحت من كبار رواة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام، وتوفيت في خلافة أخيها معاوية بن أبي سفيان ودفنت بالبقيع بجوار النبي صلى الله عليه وسلم.
أول ظعينة مهاجرة
وهي أم سلمة هند بنت أبي أمية المخزومية، أم المؤمنين، إحدى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، ومن السابقين الأولين في الإسلام، كانت زوجة لأبي سلمة وهاجرت معه الهجرة الأولى إلى الحبشة بعد أن اشتد أذى أهل مكة للمسلمين، ومكثا سنوات هناك أنجبت ولدها سلمة هناك، ثم عادا إلى مكة بعد أن بلغ المسلمين في الحبشة أن أهل مكة قد اسلموا وحين عادوا إلى مكة، وجدوا قريشا لا يزالون كفارا، فلم يدخل أحد منهم مكة إلا في جوار أحد أشرافها.
وكان دخول أبو سلمة وزوجته في جوار خاله أبي طالب، وبقيا في مكة حتى هاجر النبي عليه الصلاة والسلام إلى المدينة، فهما بالهجرة لكن أهلها منعوهما واحتجزوها عنه، فهاجر منفردا بابنه سلمة، وظلت أم سلمة في حزن تبكيهم، حتى رق أهلها لحالها، وتركوها تلحق بهم إلى المدينة، وخرجت تنوي الهجرة إلى المدينة دون رفيق، فرآها عثمان بن طلحة، وسألها عن وجهتها فأخبرته، فأخذ بخطام دابتها، ورحل بها إلى مشارف المدينة، ثم عاد بعدها راجعا إلى مكة، فالتقت زوجها واقاما سويا، أنجبت أم سلمة ثلاثة أبناء درة وعمر وزينب.
وفي سنة 3 هـ أصيب زوجها في غزوة أحد بجرح بليغ، ظلت ملازمه حتى توفي، ولما انقضت عدتها تزوجها النبي، وأخذها معه في عدد من الغزوات، وأخذ برأيها في يوم الحديبية حيث أشارت عليه أن لا يكلم أحدا حتى ينحر ويحلق، فكانت توصف "بالرأي الصَائب"، ثم شهدت غزوة خيبر، وبعد وفاة النبي أخذ الصحابة يسألونها عن الأحاديث النبوية، وتوفيت في أول خلافة يزيد بن معاوية، وهي من آخر من توفي من أمهات المؤمنين.
سفيرة الدبلوماسية الإسلامية
وهي أم المؤمنين سودة بنت زَمَعَةَ بن قيس من السابقين الهاجرين إلى الحبشة في الهجرة الثانية، تزوجت ابن عمها السكران بن عمرو وولدت له عبد الله، وأسلم السكران في بداية ظهور الإسلام وأسلمت معه، لما اشتد الأذى على الزبير والمسلمين بمكة، أذن النبي لأصحابه بالخروج والهجرة إلى الحبشة، فهاجروا إلى الحبشة، ولكن زوجها لم يعيش طويلا، حيث مات السكران هناك.
وبعد وفاة السيدة خديجة بنت خويلد، جاءت خولة بنت حكيم، زوجة عثمان بن مظعون ورفيقة سودة في الهجرة إلى الحبشة إلى النبي تسأله أن يتزوج من سودة فلما انتهت عدتها خطبتها خولة للنبي، فتزوجها وكانت أول إمرأة تزوجها النبي بعد خديجة، وحين حانت الهجرة إلى المدينة المنورة أمر النبي زيد بن حارثة وأبا رافع الأنصاري أن يأخذا أهل بيته ليهاجروا إلى المدينة، وكانت سودة كبيرة السن، فخافت أن يفارقها النبي، فقالت: «يا رسول الله يومي الذي يصيبني لعائشة وأنت منه في حلّ» فقبله النبيّ، وفي ذلك نزلت: ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا﴾.
وقد شهدت سودة غزوة خيبر مع النبي، وشهدت معه حجة الوداع، واستأذنته أن تصلي الصبح بمنى ليلة المزدلفة فأذن لها، ولم تحج سودة بعدها ولزمت بيتها حتى وفاتها، حيث توفيت بالمدينة المنورة في شوال 54هـ في خلافة معاوية.
المتوكلة على الله
وهي الصحابية أم كلثوم بنت عقبة بن معيط عرفت بلقب المتوكلة على الله بعد أن خرجت من بيتها مهاجرة إلى المدينة المنورة بمفردها، وقد نشأت في بيت شديد العدواة للإسلام، فكان والدها الذى آذى الرسول كثيرًا قبل هجرته حتى أنه حاول ذات مرة أن يخنقه بيده، فهدى الله قلبها للإسلام، وكانت من أوائل من أسلموا وواحدة من المسلمين الذين صلوا على القبلتين، ولما اشتد العذاب في المسلمين بمكة، كان خوفها يزداد من يلاحقها أهلها الكفار ويجبراها على ترك دينها.
فاتخذت قرارا بالهجرة إلى المدينة لتنضم إلى المسلمين هناك، فخرجت في توقيت صعب وقت صلح الحديبية الذى كان يتضمن شرطًا مجحفًا للمسلمين يشترط على الرسول أن يرد إليه أى شخص يأتيه مهاجرًا من مكة، حتى ولو كان مسلما، لكنها توكلت على الله وأصرت على الرحيل، وفى الطريق صادفت قافلة تخص رجلاً من قبيلة خزاعة التى دخلت فى حلف مع الرسول صلى الله عليه وسلم ضد قريش، فاطمأنت وطلبت منهم أن يصحبوها معها وأمنتهم على نفسها فحفظوا الأمانة وأحسنوا صحبتها حتى وصلت إلى المدينة المنورة.
فجاءت أم سلمه تخبر النبي عليه الصلاة والسلام بشأن أم كلثوم، فرحب بها، فقالت له قد فررت بنفسي وبديني من قومي فامنعني ولا تردني فلا صبر لي بالعذاب، فقال لها النبي إن الله نقض العهد في النساء وأنزل في ذلك أواخر سورة الممتحنة، وكانت ما تزال فتاة صغيرة السن لم تتزوج وقت هجرتها، وقد أعجب بصدق إيمانها وشجاعتها كثير من الصحابة، فتقدم لخطبتها الزبير بن العوام، وزيد بن حارثة، وعبد الرحمن بن عوف، وعمرو بن العاص، فاستشارت خالها عثمان بن عفان، فأشار عليها أن تأتي النبي ـ فتستشيره، فأتته، فأشار عليها بزيد بن حارثة، فتزوجته، وعاشت معه حتى استشهد في مؤتة.