حكم نشر الأشخاص تفاصيل حياتهم الخاصة على مواقع التواصل للربح| «الإفتاء» توضح
أكدت
دار الإفتاء المصرية أن "اليوتيوبرز: Youtubers"
مصطلح عصري يُطْلَق على صانعي المحتوى المرئي في موقع "يوتيوب: YouTube"، وتزداد شهرة "اليوتيوبر"
من خلال المحتوى الذي يُقَدِّمه من حيث نوعه، وجودة إخراجه، والمخاطَب به؛ حتى
إنَّ بعض الأشخاص لشهرتهم على اليوتيوب قد امتهنوا هذا الأمر؛ نظرًا لما يدره
عليهم من ربحٍ نتيجة التفاعل على ما يُقَدِّمونه بالتعليق، أو الإعجاب، أو المشاركة
من الآخرين.
البعض ينشر الشؤون اليومية الخاصة:
أضافت
أنه من المحتوى الذي لوحظ تقديمه من قِبَل "اليوتيوبرز": نَشْر بعضهم
الشؤون اليومية الخاصة به وبأسرته؛ كأماكن جلوسه في بيته مع زوجته، ومواضع نومه،
ومقر اجتماعه للأكل والشرب مع عائلته؛ حتى وصل الهوس لنشر كواليس نومه واستيقاظه،
وتحركات أطفاله، بل ودخوله للخلاء!
يفرق بين هذه المقاطع
إلى حالين:
أشارت
دار الإفتاء أن البَثُّ والبَسْط للشؤون الشخصية ومشاركة الآخرين لمشاهدة ذلك يفرق
فيه بين حالين؛ أولهما: ما يصح إِطْلاع الغير عليه. وثانيهما: ما لا يصح إِطْلاع
الغير عليه، فالأول؛ كتفاصيل الحياة العادية التي لا يَأنَف الشخص من معرفة الغير
بها؛ كعنوان بيته، وشَكْله، ونوع سيارته، ونحوه مما يدل على أَنَّ ناشر ذلك له ذوق
مناسب وسط البيئة الاجتماعية التي يعيش فيها؛ فهذا أمر لا مانع منه شرعًا، وقد
يندرج هذا الفعل تحت التَّحدُّث بنعمة الله على المرء الذي ندب إليه الشرع الشريف
في قوله تعالى:" وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ".
لفتت
إلى أن النوع الثاني؛ فهو ما يُعيَّب به المرء مما لا يجوز للغير الإطلاع عليه؛
ونشر ذلك رغبةً في زيادة التفاعل -بالتعليق أو الإعجاب أو المشاركة- حول ما
يُنْشَر مذموم شرعًا؛ لأنَّه من قبيل إشاعة الفاحشة في المجتمع، وهي جريمة حَذَّر
منها الحق سبحانه وتعالى؛ في قوله:" إنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ
الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا
وَالْآخِرَةِ".
أضافت
أن الآية عامة في الذين يَلتمسون العورات، ويهتكون الستور، ويشيعون الفواحش؛ قال
الإمام الفخر الرازي في "مفاتيح الغيب":" لا شك أن ظاهر قوله:"
إنَّ الذين يُحِبُّونَ" يفيد العموم وأنه يتناول كل من كان بهذه الصفة، ولا
شك أن هذه الآية نزلت في قذف عائشة؛ إلا أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب؛
فوجب إجراؤها على ظاهرها في العموم، ومما يدل على أنه لا يجوز تخصيصها بقذفة عائشة؛
قوله تعالى في:" الذين آمَنُواْ" فإنه صيغة جمع ولو أراد عائشة وحدها لم
يجز ذلك".
وقد جعل الإسلام إشاعة الفاحشة وفعلها في الوِزْر سواء؛ لعظم الضرر المترتب في الحالتين؛ فقد أخرج الإمام البخاري في "الأدب المفرد"، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: "القائل الفاحشة والذي يشيع بها في الإثم سواء"، وقال عطاء رضي الله عنه: "من أشاع الفاحشة فعليه النكال، وإن كان صادقًا" أخرجه ابن أبي حاتم.
النبي حذر من إشاعة الفاحشة:
أكدت
دار الإفتاء أنه قد رَتَّب النبي صلى الله عليه وآله وسلم على جريمة إشاعة الفاحشة
عقوبة عظيمة؛ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «وأيُّما رَجُلٍ أشاعَ على رَجُلٍ
مُسْلِمٍ بِكَلِمَةٍ وهُوَ مِنْها بَرِيءٌ يَشِينُهُ بِها فِي الدُّنْيا كانَ
حَقًّا على الله تَعَالَى أنْ يُدْنيَهُ يَوْمَ القيامَةِ فِي النَّارِ حَتَّى
يأْتِيَ بِإِنْفاذِ مَا قالَ» رواه الطبراني كما فى مجمع الزوائد (4/ 201)، وقال
الهيثمى: فيه من لم أعرفه.
حذرت
من أَنَّ نشر وبَثَّ مثل هذه المقاطع المصورة التي لا يصح إِطْلاع الغير عليها
يتنافى كليًّا مع حَثِّ الشرع الشريف على الستر والاستتار؛ لأنَّ أمور العباد
الخاصة بهم مبنية على الستر؛ فلا يصح من أحد أن يكشف ستر الله عليه ولا على غيره؛
قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه: «مَنْ
سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللهُ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ» رواه مسلم، وفي
رواية لابن ماجه: «منْ سَتَرَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ سَتَرَ اللهُ
عَوْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ كَشَفَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ
كَشَفَ اللهُ عَوْرَتَهُ حَتَّى يَفْضَحَهُ بِهَا فِي بَيْتِهِ». قال الإمام أبو
عمر ابن عبد البر في "التمهيد" (5/ 337، ط. مؤسسة قرطبة):" وفيه
أيضًا ما يدل على أن الستر واجب على المسلم في خاصة نفسه إذا أتى فاحشة وواجب ذلك
عليه أيضًا في غيره" اهـ.