«الإفتاء» تحسم الجدل حول حكم تلحين القرآن وغنائه

يثور جدل حول حكم الشرع ومدى جواز تلحين القرآن الكريم تلحينًا موسيقيًّا ليؤديه بعض المطربين والمطربات، حيث يرى البعض في ذلك تيسيرا في وصول الآيات الكريمة إلى الآذان، فهل يجوز تلاوة القرآن مصحوبا بالنغمات الموسيقية ونحوها؟ ذلك ما تجيب عنه دار الإفتاء المصرية، في فتوى فضيلة الإمام الأكبر الشيخ حسن مأمون، شيخ الأزهر ومفتي الديار السابق.
حكم تلحين القرآن الكريم
وقال الشيخ حسن مأمون: لا يجوز شرعًا قراءة القرآن الكريم مع تلحينه تلحينًا موسيقيًّا؛ لكون هذا العمل يخرج القرآن عن جلالته وقدسيته، ويصرف السامع عن الخشوع والخضوع عند سماعه، ويجعله أداة لهوٍ وطربٍ، وكل عمل يخرج كتاب الله عن غايته يعد عملًا منكرًا لا يقره الدين، ويجب علينا عند قراءته مراعاة الرجوع إلى ما كان عليه في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم والصحابة والتابعين، وكذلك لا يجوز تصوير القرآن تصويرًا فنيًّا؛ لما في ذلك من مفاسد يجب منعها؛ كتصوير الأنبياء ونحوه مما هو محاط بالقداسة في الشريعة الإسلامية.
الجواب عن السؤال نقلي وعقلي
الجواب النقلي
فما جاء في مقدمة الإمام الطبري والقرطبي من أن العلماء قالوا: إن المعلوم على القطع والبينات أن قراءة القرآن تلقينًا متواترةٌ عن كافة المشايخ جيلًا فجيلًا إلى العصر الكريم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وليس فيها تلحينٌ ولا تطريبٌ مع كثرة المتعمقين في مخارج الحروف وفي المد والإدغام وغير ذلك من كيفية القراءات، ثم إن في الترجيع والتطريب همزُ ما ليس بمهموزٍ ومَدُّ ما ليس بممدود، فترجع الألفُ الواحدة ألفاتٍ، والواوُ الواحدة واواتٍ؛ فيؤدي ذلك إلى زيادة في القرآن، وذلك ممنوعٌ. وإن وافق ذلك موضع نبرٍ وهمزٍ صيَّروها نبراتٍ وهمزاتٍ، والنبرة حينما وقعت من الحروف فإنما هي همزةٌ واحدةٌ لا غير إما ممدودةٌ أو مقصورةٌ.
اقرأ أيضًا..
اقرأ أيضًا..

وإذا كان هذا هو رأي العلماء في قراءة القرآن على صورة التلحين والغناء والتطريب وهو المنع والتحريم، فإن من المقطوع به أنهم يحرمون بالأولى إخضاع القرآن للنغمات الموسيقية وقراءته قراءة مصحوبة بالآلات الموسيقية والتغني به كما يفعلون بالقصائد والأناشيد، وإذا صرفنا النظر عما نقل عن المحققين من العلماء وأئمة القراء فإن البحث يقتضينا القول بمنع الغناء بالقرآن وتلحينه تلحينًا موسيقيًا وإسماعه للناس من المقرئين مصحوبًا بالآلات الموسيقية كما يسمعون أية قطعة غنائية، وبضرورة منع كل من يسعى لأن يفتن المسلمين في كتابهم المقدس الذي يحرصون كل الحرص على أن يبقى له جلاله واحترامه وقدسيته، فإن القرآن وهو كلام رب العالمين أنزله الله على رسوله هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان ولم ينزله ليطرب به الناس وليتغنوا به كما يطربون ويتغنون بكلام البشر، وقد أُمِر المسلمون بفهم معانيه وتدبُّر ما فيه من عظات وآداب والعمل بكل أحكامه. وكتابٌ هذا شأنُهُ يجب أن يكون له قدسيته واحترامه، وكل عمل يترتب عليه إخراجه عن هذه الغاية يعتبر عملًا منكرًا لا يقره الدين.
اقرأ أيضًا..
حق القرآن
اقرأ أيضًا..
فتاوى الجمعة| هل سماع سورة الكهف يغني عن قراءتها.. «الأزهر» يُجيب
القرآن الملحن بالموسيقى
وأيضًا فإن القرآن الملحن بالموسيقى ليس هو القرآن الذي أنزله الله على رسوله وتعبدنا بتلاوته التي تلقيناها عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وإذا كانت الأديان السماوية السابقة قد حرَّفَت وبدَّلَت في كتب الله التي أنزلها الله عليهم لهدايتهم وإرشادهم، فإننا إذا أجزنا قراءة القرآن ملحنًا تلحينًا موسيقيًّا وسماعه مصحوبًا بآلات الموسيقي نكون قد وقعنا فيما وقع فيه غيرُنا وحرّفنا كتاب الله وبدلناه، وفي ذلك ضياع الدين وهلاك المسلمين، ويجب على العلماء المسلمين ومفكريهم والحريصين على أن تستقيم أمور دينهم أن يقفوا وقفة حاسمة يمنعون بها كل من تحدثه نفسه بأن يقرأ القرآن ملحنًا تلحينًا موسيقيًّا ويتغنى به كما يتغنى بأية قصيدة من القصائد حتى يدفعوا عن كتابهم شرًّا مستطيرًا يوشك أن يقع به، وليذكروا قول الله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: 9]، وقوله تعالى: ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ [يونس: 16].