حُكم عمل الوليمة في الأفراح.. «الإفتاء» تُجيب
من عادات الأفراح والمناسبات السعيدة، دعوة الأهل والأقارب والأصدقاء والجيران لتناول الطعام، وهو ما يُعرف بوليمة الأفراح، وهي الأطعمة التي تصنع في الأعراس، ولكن البعض يسأل عن مدى مشروعية هذه الولائم والعزومات، وما رأي الدين فيها، وهو ما تجيب عنه دار الإفتاء المصرية، وفتوى الأستاذ الدكتور شوقي إبراهيم علام، مفتي الجمهورية.
حكم عمل الوليمة في الأفراح
ويقول الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، إن الوليمة: هِيَ كلُّ طعامٍ يُصنع للعُرس وغيره مما يحصُل للإنسان من خير ويُدخل على نفسه السرور، وعمل الوليمة لإشهار الزواج سنة نبوية؛ فعلها النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأمر بها، وحث الصحابة على فعلها؛ لما فيها من إطعام الطعام، وإظهار الشكر لله تعالى على نعمة الزواج، وكلاهما من أحب العبادات إلى الله تعالى وأرجاها للقبول.
ويضيف مفتي الجمهورية الوليمة: هِيَ كلُّ طعامٍ صُنِعَ لعُرْسٍ وَغَيْرِهِ مما يَسُرُّ؛ كما قال ابن منظور في "لسان العرب" (12/ 643، ط. دار صادر)، والأزهري في "الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي" (ص: 211، ط. دار الطلائع). ومن معانيها: إشهارُ النكاح وإعلانه؛ كما قال الإمام ابن بطال في "شرح صحيح البخاري" (7/ 285، ط. مكتبة الرشد).
إطعام الطعام
وقد تواردت النصوص من الكتاب والسنة على أن إطعام الطعام من أحب الأعمال إلى الله تعالى وأرجاها للقبول حتى جعله الله تعالى من أسباب الفوز بدخول الجنة؛ فقال تعالى مادحًا عباده المؤمنين: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ﴾ [الإنسان: 8]، وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أن رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أي الإسلام خير؟ قَالَ: «تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ» متفق عليه.
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ فِي الجَنَّةِ غُرَفًا تُرَى ظُهُورُهَا مِنْ بُطُونِهَا، وَبُطُونُهَا مِنْ ظُهُورِهَا»، فَقَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: لِمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «لِمَنْ أَطَابَ الكَلَامَ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَأَدَامَ الصِّيَامَ، وَصَلَّى بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ» أخرجه أحمد في "المسند"، والطبراني في "مكارم الأخلاق"، والبيهقي في "البعث والنشور"، والحاكم في "المستدرك" وصححه.
قال الإمام ابن رشد المالكي في "البيان والتحصيل" (13/ 375، ط. دار الغرب الإسلامي): [وسئل مالكٌ عن إطعام الطعام؛ أهو أفضل، أم الصدقة بالدراهم؟ فقال: كل ذلك حسن]، وقال أيضًا (18/ 196): [إطعام الطعام من أفعال الأبرار].
وقال الشيخ الحسن اليوسي في "المحاضرات في اللغة والأدب" (ص: 320-321، ط. دار الغرب الإسلامي): [ويحكى عن الشيخ أبي محمد عبد الخالق بن ياسين الدغوغي أنه كان يقول: "طلبنا التوفيق زمانًا فأخطأناه، فإذا هو في إطعام الطعام"].
ففي ذلك تأكيدٌ على أن إطعام الطعام من أفضل الأعمال التي يتقرب بها المسلم إلى الله عز وجل؛ لما فيها من الثواب العظيم والأجر الكبير، وكذا المعاني الاجتماعية التي تبرزها تلك الأعمال من التعاون والتكافل وسد الحاجة والمؤازرة بين الناس جميعًا.
ومن أهمية إطعام الطعام في الإسلام: أنه من الوسائل التي يعبر بها المسلم عن شكره لله تعالى عند النعم؛ فكانت "الوليمة" عند العرس، و"العقيقة" عن المولود، و"الوكيرة" عند بناء البيت وغير ذلك، ومشروعيتها ثابتة بالسنة القولية والفعلية وفعل الصحابة وهو ما عليه أرباب المذاهب المتبوعة.
فأما مشروعيتها من السنة الفعلية: فقد تواردت النصوص فيما أَوْلَمَ به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حين زواجه من أمهات المؤمنين رضي الله عنه.
ومن ذلك ما روي في وليمته صلى الله عليه وآله وسلم في صبيحة زواجه بالسيدة زينب رضي الله عنها؛ فعن أنس رضي الله عنه قال: "دعوت المسلمين إلى وليمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صَبِيحَةَ بَنَى بزينب بنت جحش رضي الله عنها، فأوسعهم خبزًا ولحمًا" أخرجه محمد بن نصر الـمَرْوَزِي في "تعظيم قدر الصلاة" ورواه أحمد في "مسنده".
وما روي في وليمته صلى الله عليه وآله وسلم حين زواجه بالسيدة صفية رضي الله عنها؛ فعن أَنس رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى اللهُ عليه آله وسلم أَوْلَمَ عَلَى صَفِيَّةَ رضي الله عنها بِسَوِيقٍ وَتَمْرٍ" أخرجه الحميدي في "المسند"، وأبو داود والترمذي وابن ماجه في "سننهم"، وابن حبان في "صحيحه".
مشروعية الوليمة
وأما مشروعيتها من السنة القولية:
فقد أمر بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وحث الصحابة على فعلها، وتبعهم في ذلك التابعون وتابعوهم حتى تواتر المسلمون جيلًا عن جيل على صنع الولائم للأعراس.
فعن رجلٍ من ثقيفٍ -يقال له: معروف- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «الْوَلِيمَةُ حَقٌّ، وَالْيَوْمُ الثَّانِي مَعْرُوفٌ، وَالْيَوْمُ الثَّالِثُ سُمْعَةٌ وَرِيَاءٌ» أخرجه أحمد في "المسند".
وعن ابن بريدة الأسلمي عن أبيه رضي الله عنه قال: لما خطب عليٌّ فاطمةَ رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّهُ لَا بُدَّ لِلْعُرْسِ مِنْ وَلِيمَةٍ»، قال: فقال سعد رضي الله عنه: عليَّ كبشٌ، وقال فلان: عليَّ كذا وكذا مِن ذُرَة. أخرجه أحمد في "المسند"، والنسائي في "السنن الكبرى".
وحينما تزوَّج عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «بَارَكَ اللهُ لَكَ، أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ» متفقٌ عليه.
وقد تواردت نصوص الفقهاء على سنية الوليمة في النكاح بلا خلاف بينهم في ذلك:
قال الإمام القدوري الحنفي في "التجريد" (12/ 6358، ط. دار السلام): [قالوا: الوليمةُ سنةٌ في النكاح، بدلالة أنه عليه الصلاة والسلام قال لعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: «أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ»].
وقال الإمام ابن عبد البر المالكي في "الاستذكار" (5/ 232، ط. دار الكتب العلمية): [وما أعلم خلافًا بين السلف من الصحابة والتابعين في القول بالوليمة].
وقال الإمام الشافعي في "الأم" (6/ 196، ط. دار المعرفة): [لم أعلم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ترك الوليمة على عرس].
وقال الإمام الخرقي الحنبلي في "مختصره" (ص: 108، ط. دار الصحابة): [ويستحب لمن تزوج أن يُولِمَ ولو بشاة].
وبناءً على ذلك: فإن عمل الوليمة للعرس أمرٌ ثابت ومقرر في السنة المطهرة؛ لما فيه من إطعام الطعام، وإظهار الشكر لله تعالى على نعمة الزواج، وكلاهما من أحب العبادات إلى الله تعالى وأرجاها للقبول.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
اقرأ أيضًا..