الجمعة 22 نوفمبر 2024 الموافق 20 جمادى الأولى 1446
رئيس مجلس الإدارة
خالد جودة
رئيس مجلس الاداره
خالد جوده

العم الشرير استولى على ورث أبناء أخيه.. والأمل في «الوصية الواجبة»

السبت 05/فبراير/2022 - 12:08 ص
هير نيوز

كانت ليلة طويلة، الساعات تمر ببطء وتثاقل، منذ أنهى الحاج فتحي صلاة العشاء وأتبعها بصلاة القيام ظنا منه أنه قد ينام حتى الفجر وتحوطا من أن تضيع منه صلاة القيام تحت أغطيته الثقيلة في ليلته الباردة، وبين أحلامه التي تملأ عليه وقت نومه منذ شهور طويلة، لكن الحاج فتحي ما كاد يأوي إلى فراشه حتى عاودته الفكرة التي تلح عليه إلحاحا وتشغله عن كل ماعداها حتى مصنعه الذي لم ينشغل عنه يوما، تقلب في فراشه يقاوم الأرق والقلق، نهض من فراشه، تجول في شقته الرحبة التي يعيش فيها وحيدا.


 أمسك بسماعة التليفون وأدار القرص يطلب ابنه طارق، تردد في اللحظة الأخيرة، أغلق الخط، كان واثقا أن ابنه طارق سوف يرفض الفكرة كعادته، فهو لم يرح خاطر أبيه يوما، يعارض للمعارضة، جاف في تعاملاته وحواراته، تخرج الكلمات من فمه وهو يتحدث كطلقات الرصاص أو السهام المسمومة، لم يكسب حب أحد، ورغم هذا ظل أبوه يحسن معاملته ويروضه ويلبي طلباته، ليس لأنه الابن الأصغر فحسب، وإنما وفاء للمرحومة أمه التي ظلت توصي الحاج فتحي عليه وهي في سكرات الموت.


غيرة الإخوات

 لم يحرمه أبوه من إدارة المصنع براتب كبير ولا من الزواج من زميلته الجامعية داليا رغم كل مساوئها وتحريضها المستمر لطارق للتمرد على أبيه ومطالبته بالمزيد والمزيد، واستمر الحاج فتحي في سياسته تجاه طارق، يضبط أعصابه ويصبر وينصح ويعظ دون جدوي، بل حاول الحاج فتحي أن يقلم أظافر طارق بشقيقه الأكبر عمر حينما دعاه الأب ليترك وظيفته الحكومية ويشارك أخاه إدارة المصنع، لكن عمر برجاحة عقله وقناعة نفسه اعتذر لأبيه في أدب وحياء حتى لا يكون سببا في اشتعال الغيرة في قلب طارق وزوجته وربما تقطعت الشعرة الأخيرة في علاقتهما بالأب وعمر.





 رغم رضا الأب وإعجابه البالغ بعمر وشعوره بأنه لم ينجب غيره، إلا أن طارق ظل يحصد المكاسب في جشع وينفرد هو وأسرته الصغيرة بكل أرباح المصنع، أما عمر فقد كانت زوجته تحبه وتشجع قناعته وتحثه علي ان يبتعد عن أي سبب يعكر صفو علاقته بأخيه، ولهذا ظل عمر يتألم في صمت مثله مثل كل إنسان ملتزم يكون أقل حظا من هؤلاء المنفلتين، الذين لايقيمون وزنا إلا لما يخدم مصالحهم، كان الأب هو الآخر يدرك هذا جيدا وينتظر اليوم الذي يسدد فيه لعمر مكافأة الابن الصالح، ووسط هذه الذكريات التي سادت خاطر الحاج فتحي صاح في نفسه مؤكدا أنه وجد الحل أخيرا، سوف يجمع الأخوين معا ويعرض عليهما فكرته في الزواج من الست 'اعتدال' حتى ترعاه في أيامه الأخيرة وتملأ عليه شقته الواسعة.


اقرأ أيضًا..


سحر تعترف: نصبنا على المتبرعين بحجة علاج مرضى السرطان والكبد



قمة عائلية مصغرة


حضر الأخوان القمة العائلية المصغرة، ثار طارق قبل أن يكمل أبوه عرض فكرته، وتحمس عمر مثلما كان يتحمس دائما لكل ما يسعد والده، صرخ طارق يحذر أباه من أن يتزوج امرأة تلهف من ميراثه ما يستحقه أبناؤه، وصاح عمر ينهر أخاه ويدعو لأبيه بطول العمر، أطرق الأب برأسه إلى الأرض حزنا، واحتدم النقاش بين الأخوين، لكن الحاج فتحي أنهاه حينما نهض غاضبا ثم صاح في طارق محذرا بأن صبره عليه قد طال، وأنه أخطأ حينما استشاره ورفع من شأنه.



وقال الأب موجها حديثه لعمر: أما أنت يا ابني فربنا يقدرني وأرد لك جمايلك، وكفاية إني هاموت وأنا راضي عنك، انسحب طارق من الجلسة وراح عمر يهدئ من روع أبيه ويطالبه بأن يسامح طارق منتحلا له الأسباب والمبررات التي لم تقنع الأب جملة وتفصيلا، وسأل الحاج فتحي عمر هل يذهب معه في الصباح إلى بلدتهما ليطلب الأب يد اعتدال.


 ورحب عمر بالاقتراح دون أن يخطر أباه أن اعتذاره عن عدم الذهاب للعمل في اليوم التالي سوف يعرضه لأشد الجزاء باعتباره رئيس لجنة الجرد المشكلة بأمر عاجل من المحكمة في إحدى القضايا.


تهديد الأخ العاق


في الطريق إلى بلدتهما كان عمر شاردا في تهديد طارق الذي أخفاه عمر عن والدهما بعد مكالمة الصباح التي أقسم فيها طارق ألا تتم هذه الزيجة مهما كانت الأسباب، وكان عمر شاردا في رئيسه الذي حذره من التخلف عن رئاسة اللجنة، وكان سارحا في أمر أبيه الذي كان يلح عليه في تلك اللحظات لتقديم استقالته وإدارة نصف المصنع حتى يرتاح ضمير الأب.


موت الابن الكبير


 وبينما يلتفت عمر إلى أبيه ليعلن عن رفضه القاطع اختلت عجلة القيادة في يده، وتراقصت السيارة، ودوى صوت ارتطام شديد بعد أن اصطدمت أكثر من سيارة مسرعة بسيارة عمر، لحظات عصيبة، مات عمر في الحال ونقل الحاج فتحي إلى المستشفى في حال سيئة، لكن العناية الإلهية أنقذت الأب بجراحة دقيقة وعاجلة، أفاق بعد ثلاثة أيام يسأل عن عمر، بكى كل من حوله، شحب وجهه واهتزت أطرافه فسارع الجميع يقسمون له أن عمر لم يمت، لكنه يعالج، لم يصدق الأب، ضرب عرض الحائط بتعليمات الأطباء وصرخ فيهم أنه لا يطلب الحياة، لكن يريد عمر، إلا أن الحاج عاد من جديد ليكتشف أن الدموع في عيون من حوله تحمل الإجابة التي يخفونها عنه، صمت الرجل، وقع أسيرا لأكثر من غيبوبة لا يكاد يفيق من إحداها حتي تتسلمه الأخرى، الأطباء أكدوا أنه تجاوز مرحلة الخطر بعد الحادث، لكنه لم يعد راغبا في الحياة؛ ما يشكل خطرًا أكبر من خطر الحادث نفسه، بعد أسبوعين أسلم الحاج فتحي الروح حزنا على عمر، لم ينس الجميع أن آخر كلمة نطق بها كانت اسم ابنه الأكبر بينما لم يتذكر في غيبوته أو إفاقته ابنه طارق ولو لمرة واحدة.




الاستيلاء على الميراث


 انتهى الحداد، ومضى الأربعون، وبدأ طارق يعد إعلان الوراثة بالمحكمة باعتباره الوريث الوحيد لأبيه، ذهبت إليه زوجة عمر  تلبية لدعوة منه، منحها خمسة آلاف جنيه وهو يذكرها بأن المبلغ هدية منه لأولاد أخيه وليس حقا من الحقوق، ودارت الدنيا بزوجة الأخ حينما استطرد طارق في حديثه عن عمر يتهمه بالنفاق لأبيهما، انسحبت الأرملة ورفضت بحسم البكاء لحظة واحدة أو استلام المبلغ.

عادت تبكي إلى أبنائها، ووقف أكبرهم المهندس الشاب يؤكد لها أنه لا بد من أن يكون لهم حق في تركة الجد، ولا بد أيضًا من إثارة الموضوع أمام المحكمة، وأقسم طارق ألا يأخذ أولاد أخيه مليما واحدًا من 4 ملايين جنيه التي قدرت بها قيمة المصنع بعد أن وقفوا أمامه في المحكمة بالجيزة، وتحدى أن يكسبوا قضيتهم، وفي المحكمة قدم طارق كل ما يثبت أنه الوارث الوحيد لأبيه بعد أن مات أخيه الأكبر في حياة الأب، وبالتالي لم يعد لعمر نصيب في تركته، وأصبح أمل الأحفاد الوحيد في الحصول على نصيبهم من تركة جدهم عن طريق "الوصية الواجبة".



ads