كثيرًا ما يرددون.. "المرأة شؤم" حرام شرعًا
الأربعاء 30/ديسمبر/2020 - 07:09 م
شريف حمادة
لا يتوانى المستشرقون والمتربصون في التشكيك في حفظ الإسلام حق المرأة والإعلاء من شأنها مستشهدين بحديث (الشؤم في ثلاث)، وربما قام بعض الرجال باتهام زوجته عند الخصام بهذا الوصف بأنها شؤم بقول النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا جناية على الحديث أيما جناية.
فقد جاء الحديث مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم بألفاظ عدة:
ففي لفظ: ( إنما الشؤم في ثلاثة: في الفرس والمرأة والدار ).
وفي لفظ: ( الشؤم في المرأة والدار والفرس ).
وفي لفظ: ( إن كان الشؤم في شيء ففي الدار والمرأة والفرس ).
وفي لفظ ( إن يكن من الشؤم شيء حق ففي الفرس والمرأة والدار ).
وفي لفظ: ( إن كان في شيء ففي الربع والخادم والفرس )، وفي لفظ زيادة ( والسيف ).
وللعلماء رحمهم الله تعالى أجوبة عدة على ما قد يحصل من اشتباه في معنى الحديث:
إن أصل الحديث حكاية لقول اليهود أو المشركين وبيان مذهبهم الباطل في ذلك، ولكن قد روي الحديث بدون ما يدل على الحكاية.
ودليل ذلك ما رواه قتادة عن أبي حسان قال: دخل رجلان من بني عامر على عائشة رضي الله عنها فأخبراها أن أباهريرة رضي الله عنه يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( الطيرة في الدار والمرأة والفرس ) فغضبت، فطارت شقة منها في السماء، وشقة في الأرض، وقالت: والذي نزل الفرقان على محمد ما قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم قط، إنما قال: ( كان أهل الجاهلية يتطيرون من ذلك ).
وفي رواية قالت: ولكن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: ( كان أهل الجاهلية يقولون: الطيرة في المرأة والدار والدابة )، ثم قرأت عائشة رضي الله عنها الآية: ( ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب ).
ويشهد له ما رواه أبو داود الطيالسي عن مكحول أنه قال: قيل لعائشة: إن أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( الشؤم في ثلاث: في الدار والمرأة والفرس ) فقالت عائشة رضي الله عنها: لم يحفظ أبو هريرة ؛ لأنه دخل ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( قاتل الله اليهود، يقولون: إن الشؤم في الدار والمرأة والفرس ) فسمع آخر الحديث ولم يسمع أوله.
ومما يؤيده أيضا ما رواه الطبري في تهذيب الآثار عن ابن أبي مليكة قال: قلت لابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: كيف ترى في جارية لي، في نفسي منها شيء ؟ فإني سمعتهم يقولون: قال نبي الله صلى الله عليه وسلم ( إن كان في شيء ففي الربع والفرس والمرأة )، قال: فأنكر أن يكون سمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم أشد النكرة، وقال: إذا وقع في نفسك منها شيء ففارقها، بعها أو أعتقها.
فبناء على قول عائشة رضي الله عنها، فالحديث ليس فيه تقرير للطيرة، بل هو متضمن للنهي والتحذير من ذلك ؛ إذ أن نسبة العمل لأهل الكفر والجاهلية دال على النهي.
قال الإمام ابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ: ( ولكن قول عائشة هذا مرجوح، ولها ـ رضي الله عنها ـ اجتهاد في رد بعض الأحاديث الصحيحة خالفها فيه غيرها من الصحابة.
من جانبه قال الدكتور على جمعة، مفتى الجمهورية السابق، عضو هيئة كبار العلماء، قائلًا: إن التشاؤم من الزوجة منهيٌّ عنه شرعًا؛ لأن الأمور تجري بأسبابها بقدرة الله تعالى، ولا تأثير للزوجة فيما ينال الإنسان من خير أو شر.
وأوضح "جمعة" في إجابته أن التطير والتشاؤم من عادات الجاهلية التي جاء الإسلام بهدمها والتحذير منها؛ فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ، وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ»، قَالُوا: وَمَا الْفَأْلُ؟ قَالَ: «كَلِمَةٌ طَيِّبَةٌ»، متفق عليه.
واستشهد على أن التشاؤم ليس من الإسلام ولا من معتقدات المسلم الذى يفهم تعاليم دينه، بما روى عن قبيصة بن المخارق قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: «الْعِيَافَةُ وَالطِّيَرَةُ وَالطَّرْقُ مِنَ الْجِبْتِ»، رواه أبو داود بإسناد حسن.
واستدل أيضًا بما ورد عن بريدة - رضي الله عنه-: "أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وآله وسلم - كَانَ لَا يَتَطَيَّرُ"، رواه أبو داود بسند صحيح.
وذكر ما رواه عروة بن عامر - رضي الله عنه- قال: ذُكِرَت الطِّيَرَةُ عند النبي - صلى الله عليه وآله وسلم-، فقال: «أَحْسَنُهَا الْفَأْلُ وَلَا تَرُدُّ مُسْلِمًا فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يَكْرَهُ فَلْيَقُلِ اللَّهُمَّ لَا يَأْتِى بِالْحَسَنَاتِ إِلَّا أَنْتَ وَلَا يَدْفَعُ السَّيِّئَاتِ إِلَّا أَنْتَ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِكَ»، رواه أبو داود بسند صحيح.
ونوه عضو هيئة كبار العلماء، أنه إذا اعتقد المسلم شيئًا مما تشاءم منه موجب لما ظنه ولم يضف التدبير إلى الله - سبحانه وتعالى- حيث أن التشاؤم يعد سوء ظن بالمولى - عز وجل- ربما وقع به ذلك المكروه الذي اعتقده بعينه عقوبة له على اعتقاده الفاسد.
وأشار إلى أنه لا يتنافى هذا وبين حديث "إنما الشؤم في ثلاثة: في الفرس والمرأة والدار" لأن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم- يشير في هذا الحديث ونحوه إلى تخصيص الشؤم بمن تحصل منه العداوة والفتنة، لا كما يفهم بعض الناس خطأً من التشاؤم بهذه الأشياء أو أن لها تأثيرًا.
واختتم الدكتور علي جمعة قوله: وذلك كما فسرته الرواية الأخرى عند الحاكم في المستدرك من حديث سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم- قال: «ثَلَاثٌ مِنَ السَّعَادَةِ، وَثَلَاثٌ مِنَ الشَّقَاوَةِ، فَمِنَ السَّعَادَةِ: الْمَرْأَةُ تَرَاهَا تُعْجِبُكَ، وَتَغِيبُ فَتَأْمَنُهَا عَلَى نَفْسِهَا، وَمَالِكَ، وَالدَّابَّةُ تَكُونُ وَطِيَّةً فَتُلْحِقُكَ بِأَصْحَابِكَ، وَالدَّارُ تَكُونُ وَاسِعَةً كَثِيرَةَ الْمَرَافِقِ، وَمِنَ الشَّقَاوَةِ: الْمَرْأَةُ تَرَاهَا فَتَسُوءُكَ، وَتَحْمِلُ لِسَانَهَا عَلَيْكَ، وَإِنْ غِبْتَ عَنْهَا لَمْ تَأْمَنْهَا عَلَى نَفْسِهَا، وَمَالِكَ، وَالدَّابَّةُ تَكُونُ قَطُوفًا، فَإِنْ ضَرَبْتَهَا أَتْعَبَتْكَ، وَإِنْ تَرْكَبْهَا لَمْ تُلْحِقْكَ بِأَصْحَابِكَ، وَالدَّارُ تَكُونُ ضَيِّقَةً قَلِيلَةَ الْمَرَافِقِ».