الأحد 24 نوفمبر 2024 الموافق 22 جمادى الأولى 1446
رئيس مجلس الإدارة
خالد جودة
رئيس مجلس الاداره
خالد جوده

فاتن نصر تكتب.. الغربة موتتنا الأولى

الإثنين 10/يناير/2022 - 01:38 م
هير نيوز


للغربة شجون لايدريها إلا من جربها الغربة تجربة انتقال من عالم لعالم  وكأنك تنتقل من حياة لحياة فلاشك أن الغربة هي موتتنا الأولى

عندما تغترب  تصبح بين أهلك إسم تربطك بهم مكالمة أو تعليق على صفحة موقع التواصل أو رسالة من خلال موقع تواصل آخر  

ولكن ليس بالتأكيد كما كنت بينهم لك نصيب في تجمعاتهم  . في مناسباتهم   غيابك محسوس  مكانك مقدر  . لو مرضت فهم حولك لو حزنت فهم حولك داعمين  . كيانات متفاعلة تتلاحم في تناغم عيلة واحدة   حتى لو تباعدت لظروف الحياة موجودة

عندما تغترب تصبح في مزاج مختلف عن مزاج أهل تركتهم خلفك في ظروف تختلف عن ظروف تعيش أنت فيها   

كل منكم يرى غيره في ظروف أفضل   لأن لديه ماينقص الآخر كل بلا قصد يغبط الآخر على ماليس عنده وقد تتحول الغبطة إلى غير ذلك.

وبالتالي عندما ترجع إليهم في فترة قصيرة يكون لديك فكرة أنهم كما تركتهم فقد أغلقت عينيك على صورة تركتها  ولا تستوعب ما يعتريهم من تغيير طبيعي لكنك لم تدركه لبعدك  

فتكون أول صدمة أنك تتعامل مع شخصيات تختلف عمن هم في خيالك الذي ثبت الصورة على وقت تركك لهم  وهم كذلك يتعاملون معك على الصورة التي تركتهم عليها  . وبالتالي تراهم تغيروا ويرونك تغيرت  وشيئا فشيئا تتغير لغة الحوار بينكم لمجرد المجاملات والصلات العائلية   فكل منكما لم يعش تفاصيل حياة تطور شخصيات الجميع

 أنت تعود في حاجة لحضن تأوي إليه بعد برودة الاغتراب تهرع لحضن تشكو إليه فتجده  ينتظرك ليشكو لك   وبالتالي يصدم كل منكما الآخر  فكل منكم في حاجة لمن يسمعه

تزيد حدة الغربة إذا كانت بين أفراد الأسرة الواحدة كأب ترك زوجه وأطفاله واغترب

أما غربة الفرد عن أهله  ولكن معه زوجته وأولاده أخف وطأة ولكن الأكيد شيئا فشيئا يكون التباعد تعتبر نفسك غائبا   وكأنك انتقلت من عالمهم إلى عالم آخر  

 الفرق أنهم عندما يتذكرونك قد يرسلون إليك برسالة أو قد يدقوا على هاتفك برنة  . يتذكرون ذلك عندما تمر على خاطرهم تماما كما يمرون على قبور من رحلوا في المناسبات

وكما في الغربة هذا الوجع في العلاقات بين الأهل والبعد عنهم واعتبار المغترب أحد من غاب في العائلة   ولايعلمون متى عودته وقد لايعود  ..

نجدها تجربة مفيدة جدا على صعيد آخر في الغالب  

فهي تصقل الشخصية  وتعيد صياغتها من جديد وتتيح لصاحبها الفرصة لأن يتحول للأفضل ويتعلم من غربته الكثير

يكون أكثر جدية في عمله وأكثر قوة في مواجهة المواقف وأشد صلابة في تحمل الصعاب

ساعيا للتعلم في أمور كثيرة لم يكن ليفكر فيها لو ظل في بلده ولكن ومعه في الغربة وقت كبير يمكن أن يسعى فيه للكثير من تنمية مهاراته الحياتية والعلمية  وإمكانيات تساعده أيضا على ذلك

وهناك من تسرقهم الغربة وتبهرهم خاصة لو كان فيها وفرة في المال والوقت وفرصة لما يرونه انطلاق فتكون النتيجة سيئة فهو يخرج من حال لحال أسوأ تكون معه غربته وبالا عليه ولكنه من يختار

في حياة الغربة تتغير حياة البعض فينسى معه تاريخه وحياته السابقة وينتقل من طبقة إلى طبقة  وتبدأ كل العقد في الانطلاق  .وتظهر هذه العقد جلية في تعامله مع أهله في بلده فهو يتعامل معهم بمنطق الممول وصاحب السيادة والكلمة  

وعندما يرجع لهم لفترة تراه يسير منتفخ الأوداج مزهوا متباهيا   مختالا كطاووس مظهر براق دون فائدة حقيقية لهم

 

الواقع يقول أن الغربة مدرسة كبيرة ننهل من دروسها

ولكنها بالتأكيد نقلة

إنها موتتنا الأولى

اللهم هون علينا سكرات الغربة

 


ads