لـ"الأمهات".. روشتة علمية لغرس قيمة الطموح في الابن المستهتر
السبت 26/ديسمبر/2020 - 03:09 م
سعيد نصر
الابن المستهتر وعديم الطموح مشكلة كبيرة تواجه كثير من الأمهات في ظل قلة اهتمام الآباء بالأبناء بسبب ظروف الحياة وعمل معظمهم لفترتين لتوفير حاجيات الأسرة، وتتفاقم المشكلة عندما يكون الاستهتار مصحوبًا بالعناد الشديد، وعندما يكون الابن ذكيًا ويتعمد الاستهتار بكل شيء لأسباب خفية عن الأب والأم.
"هير نيوز" يقدم للأمهات روشتة علمية لغرس قيمة الطموح في الابن المستهتر، فإلى التفاصيل:
بدايةً، تقول الدكتورة نادية جمال الدين، استشاري تعديل سلوك وخبيرة علاقات أسرية، إن الابن، وخاصة في مرحلة الطفولة، أي حتى سن 16 عامًا، يصبح مستهترًا وليس لديه أي طموح لأسباب عدة، أبرزها التدليل الزائد عن الحد أثناء التربية، والعشوائية والفوضوية داخل الأسرة التي يستقي منها الطفل سلوكياته اللفظية والعملية.
وتشير نادية إلى أن التدليل الزائد للابنة أو الابن يجعله يشعر أن كل شيء يطلبه يكون مجابًا وفي الحال، وبدون أي تعب أو صبر، ودون بذل أي جهد لتحقيقه، ويترتب على ذلك أنه يصبح شخصًا غير قادر على تحمل المسئولية، وليس لديه إدراك لقيمة الصبر من أجل تحقيق النجاح.
وتوضح نادية، أن العشوائية داخل الأسرة تعني عدم وجود نظام أوقواعد داخلها تنمي في الابن قيمة الجدية والطموح، وتجعله يأخذ الأمور بجدية لتحديد أهداف يسعى إلى تحقيقها؛ لأن الأسرة الفوضوية والعشوائية وغير المرتبة لا يمكن أن ينشأ فيها ابن يكون تفكيره منظمًا ومرتبًا، أو لديه أي نوع من الطموح.
وتؤكد أنه لغرس قيمة الطموح في الابن المستهتر، لابد من إقامة حوار معه، عن طريق الأب والأم أو أحد الذين يثق فيهم، لتعريفه بالمشكلة التي يعاني منها، دون أن ننظر إليه نظرة دونية أو إشعاره بها، ويتم ذلك من خلال أسئلة يتم طرحها عليه، تدفعه لإدراك الفشل ومخاطره، والاستفادة من الفشل لتجنب تكراره، بحيث يدرك بقناعة تامة أن الفشل بداية للنجاح، وليس نهاية المطاف، ويتحقق ذلك بحوار إيجابي يضفى طاقة إيجابية على الابن، من خلال سرد قصص لرموز حققوا النجاح بعد الفشل، أو لأشخاص داخل العائلة أو القرية أو الحي حققوا أهدافهم، على الرغم من ظروفهم المعيشية والحياتية الصعبة.
وتضيف: "أن تعزيز قيمة الطموح لدى الابن المستهتر يستوجب على الأب والأم معاملته بلغة الحب والاهتمام، وبطريقة تعزز ثقته في نفسه، وتشعره بأنه محبوب داخل الأسرة، وتجعله يتطلع لعمل أشياء إيجابية يتم تشجيعه عليها،وكذلك التعامل مع الابن المستهتر بمبدأ الثواب والعقاب لتشجيعه على الصواب الذى يفعله، وتقويم الخطا الذى يقع فيه، لتجنب تكراره فيما بعد".
وتنصح استشاري تعديل السلوك والعلاقات الأسرية، كل أب وأم لديهما ابن مستهتر، باحترام الفروق الفردية بين الأبناء داخل الأسرة، وداخل محيط العائلة، وعدم التركيز على النجاح والتفوق الدراسى فقط فى تقييم الابن، ومحاولة اكتشاف المواهب الأخرى لديه وتنميتها، وعدم التحكم من جانب الوالدين في الابن وكأنه ملكية خاصة لهما، أو مجرد سجين مطلوب منه تنفيذ كل الأوامر التي ترد إليه منهما، بما يعني ضرورة منحه مساحة من الحرية، وبحيث يكون دور الأسرة توجيهي، حتى ننمي فيه ملكة الاختيار وتحمل المسئولية والرغبة في النجاح بدافع تحقيق الذات.
أما الدكتور محمد هاني، استشاري الصحة النفسية والعلاقات الأسرية، يرى أن الاستهتار يرتبط إلى حد كبير بمرحلة المراهقة، فخلال هذه المرحلة يكون الطفل ميالًا لمقارنة نفسه بالأخرين، ولديه نزعة للتحرر من قيود الأسرة،وبالتالي تظهر صفات سلبية عليه، منها صفة الابن المستهتر، وهذا يمكن معالجته بالاحتواء النفسي عن طريق الأب والأم، وذلك بإدارة حوار متبادل معه، يتم التعرف من خلاله على طلباته واحتياجاته، وتفهم أفكاره ومعتقداته واحترامها، بهدف تقويمه بعد ذلك.
ويقول هاني، إن غرس قيمة الطموح في الابن المستهتر يتطلب من الوالدين عدم عمل مقارنات بينه وبين أي أحد من إخوته داخل الأسرة، واختيار الأسلوب التربوي المناسب لتقويمه، بعيدًا عن الضرب والإهانة والعنف والتوبيخ، لأنها تزيد من غبائه وتدفعه إلى العناد، وبالتالي إلى الاستهتار واللامبالاة أكثر، والتعامل معه بمفهوم الصداقة والأبوة معًا، حتى يتقبل النصائح والتوجيهات، والتعرف على ظروف وأحوال أصدقاء الابن، حتى لا يقع فريسة لأفكارهم وسلوكياتهم التي تعمق وتجزر الاستهتار واللامبالاة في ذهنية الابن ونفسيته.
وينصح هاني الوالدين بأن يشركا ابنهما في المسئوليات ولا يهمشان دوره داخل البيت؛ لكي يشعر بأنه شخص يعتمد عليه وعنصر فعال، وله قيمة داخل الأسرة، وهذا يحول الاستهتار فيه إلى قيم إيجابية ويجعله يستوعب أخطاءه ويمتصها كما يمتص الإسفنج الماء، ويتعلم منها ويتجنب تكرارها، وبالتالي يحقق النجاح تلو النجاح، الذي بدوره يعزز من قيمة الطموح في نفسية الابن بالتشجيع المتواصل من جانب الأسرة.
ومن جهتها، توضح الدكتورة هايدي القاصد استشاري العلاقات الأسرية والاجتماعية والتربوية، أن الاستهتار له أسباب في الصغر وأخرى في الكبر، منها، عدم تدريب الطفل على تحمل المسئولية أثناء مرحلة الرعاية والمتابعة في التربية، والتي تأتي كمرحلة تالية لمرحلة الحب والاهتمام، فالأب والأم لم يعودان طفلهما على ترتيب كتبه وتجهيز حقيبته المدرسية، ويفعلان له كل شيء يريده ويحتاجه، وعندما يتلقى أمرا من والديه بتنفيذ شيء يتجاهله تماما ويصر على تجاهله.
وتتابع: "وبذلك تتولد بداخله صفة الاستهتار، ويصبح ابنا مستهترا، وهذا يجعله فى الكبر لايعترف بفشله ويبحث عن شماعات ليلقيه عليها، وغالبا ما يكون شخصية غير منظمة، فلا يضع لنفسه خططًا يمشي عليها ولا أهدافًا يحققها، ولا يرتب أولوياته، ويعيش بطريقة عشوائية، ويكون ميالًا للتسويف والتأجيل والمماطلة في عمل الواجبات وإنجاز المهام، وذلك كله يعمق آفة الاستهتار واللامبالاة في نفسيته".
وشددت هايدي على ضرورة تعليم الابن قيمة الاعتراف بالخطأ وتدريبه على ذلك، لأن الاعتراف بالخطأ هو أول درجات النجاح، ولكي يتعلم الابن هذه القيمة لابد وأن يواجه نفسه بالأسباب الحقيقية لعدم النجاح لتلاشيها في المرات القادمة، ويمكن لوالديه وللمقربين منه في محيط الأسرة وخارجها أن يبصرانه ببعض أسباب فشله من خلال حوار إيجابي يقوم على الاحترام المتبادل والاستماع له بإصغاء تام لمعرفة كل ما يدور بداخله من أفكار ومعتقدات.
وتؤكد: "أن علاج التسويف والتأجيل يأتي بالتمرين، أى بتدريبه على عمل الشيء فورا دون تأجيله، وذلك بتنمية ملكة الإرادة بداخله، وإفهامه بأن الإرادة تساوي النجاح، وأن النجاح يتحقق بالصبر، وهناك حديث لرسول "ص" يؤكد ذلك، يقول فيه "إنما العلم بالتعلم وإنما الحلم بالتحلم وإنما الصبر بالتصبر"، فالتاء هنا تفيد الإرادة، وهذا ما يجب أن يتعلمه كل الأبناء خلال التربية السوية سواء داخل الأسرة أو المؤسسات التعليمية".
ويتفق الدكتور عبدالله غازي استشارى صحة نفسية وخبير دولى للتدريب وتطوير الذات، مع الدكتورة هايدى القاصد، فى إمكانية غرس قيمة الطموح فى الابن المستهتر، من خلال سرد قصص لنماذج مشرفة وناجحة له، وعرض تجارب الناجحين أمامه للتأسي بها والاستفادة منها، وينصح بتقوية معتقدات وأفكار الابن المستهتر، بأفكار إيجابية داخل الأسرة والمدرسة، تجعل المستقبل في عينيه مشرقًا ومملوءًا بالتفاؤل.
ونصح غازي، بضرورة تنمية ملكة التخطيط للمستقبل في الابن المستهتر، أى مهارة التخطيط، وهى مهارة تنمو على فترات تربية طويلة، ويستحسن أن يبدأ تنميتها فى الابن من سن السابعة؛ لأن فى هذه السن يكون الطفل لديه 70 % من المجموع القيمي، عن الوالدين والأخوات والأهل والأقارب والبيئة المحيطة به، ولو كانت تلك البيئة محبطة، فإنه يصبح مستهترا وليس لديه طموح.
ويحذر غازي من القسوة والتدليل الزائد والحماية الزائدة، ويؤكد أنها تقتل الطموح، ويقول، إن العنف في تربية الأبناء يسبب لهم الغباء.
وشدد على ضرورة عدم تعرض الابن لنماذج سيئة حتى لايكون مثلهم، وينصح الوالدين بغرس قيمة حب العلم والاجتهاد فى نفسية الابن، وباتباع أسلوب التربية بالقدوة الحسنة مع أبنائهم، ويلفت انتباههم إلى خطورة وصف الأبناء بأوصاف سلبية كالغباء وغيره، لأن مثل هذه الأوصاف تهدم ذاته وكينونته.
كما نصح بالبعد عن امتهان الذات في توجيه الأبناء، حتى لا يشعر الابن بأن الأب يكرهه، ويتقبل نصائحه وتوجيهاته بصدر رحب، وينفذها بحب وطيب خاطر، ويؤكد أن الطموح يمكن أن ينمي في الابن ببرامج إرشادية وحوافز تشجيعية كتعليق اسمه في لوحة الشرف حال حصوله على درجة عالية، ويحذر بشدة الأب والأم من أن يقللا من شأنهما أو مهنة أحدهما أمام الابن، مهما كانت طبيعة هذه المهنة، لأن ذلك يحبط الابن ويجعله مستهترًا وقليل الطموح.