الثلاثاء 08 أكتوبر 2024 الموافق 05 ربيع الثاني 1446
رئيس مجلس الإدارة
خالد جودة
رئيس مجلس الاداره
خالد جوده

"المعددة".. فن تنفرد به المرأة الجنوبية

الإثنين 23/نوفمبر/2020 - 03:46 م

على أثر الرثاء في شعر العرب القدامى، وخاصة لدى النساء منهم فنجد مثلًا أشهر قصائد الخنساء هي القصيدة التي رثت فيها أخيها، ونجد في رثاء العرب صدقا كبيرا ومشاعر فياضة داخل إطار الأبيات، محكومة بالأوزان وبلاغة العرب والبكائيات.

وفى الجنوب توارثت النساء فن البكائيات أي فن (الِعِديد) وهو عبارة عن أبيات في مقطوعة شعرية بكائية تتكون من أربع أبيات مثلًا أو بيتين فقط، ويقال على هيئة غناء بكائي يذكروا فيه المتوفي ومحاسنه ويلقى فى المعازى بين النسا، ويتميز بكلماته العميقة التي تدور وفقًا لقافية واحدة، وهو عادة تنفرد بها النساء فى الجنوب ويحرصون عليها حتى الآن، وتعد من أهم تراث محافظات الجنوب.

وتعد أكبر الاختلافات ما بين العديد والرثاء، هو أن العديد لا يذكر فيه اسم المتوفي مثل الرثاء وفسر الكاتب (عبد الحليم حفني) ذلك لاعتقاد المصريين أو أهل الصعيد الذين هم أصحاب هذا الفن بأن المتوفي يوجد شخص آخر بنفس اسمه، وهو ما يعتقدوا أنه فأل سيء.

ويختلف (العديد) من حالة لحالة، أي أن العديد على الرجل غير السيدة، والبتول العذراء غير السيدة المتزوجة، والطفل غير الشاب وهكذا، فلكل منهم مقطوعات تصف حالته، وكل هذا تقوم به سيدة تأتي في المأتم ويطلق عليها (المعددة) وتنوح وتبدأ العديد مقابل المال أو مجاملة لأهل المتوفي وحزن عليه، وأحيانًا يقوم به أهل المتوفى ممن يحفظون "العدودة"، ومن أمثلة العديد الذي تقول البنت في وفاة أبيها:

"ريح يا بويا شوية على المقعد
خايفة يابويا من وراك نتعب
ريح يابويا شوية علي الديوان
خايفة يا بويا من وراك نتهان"
ومن (العديد) في وفاة الشاب الذي لم يتزوج:
ياما جبت الطبل ودقيته
ياما جبت الطبل ودقيته
يا فرح ولدي ما شفته ولا ريته

ويرى بعض الأشخاص أن "العديد" كفر بقدر الله، وهو ما يرفضه مستخدمو هذا الأسلوب فى التعبير عن أحزانهم، وهنا نذكر عدودة تلح في المرأة على أن بكائها ليس كفرا أبدًا بل هو محض حزن ليس إلا:
(والله إن بكيتي استغفري ربك
على دا الصحابة والنبي قبلك
والله إن بكيتي استغفري الرحمن
على دا الصحابة والنبي قُدّام )

فالعديد نرى فيه الحزن يواجه الموت وجهًا لوجه، يسأله ويعاتبه ويبغضه في مواجهة شرسة ما بين الأبيات المليئة بالبكاء والواقع، والأسئلة التي تحطم رأس الذين يشعرون بالفقد:

ساعة يكلمني وساعة يميل)
وساعة يقول قلبي عليا تقيل
ساعة يكلمني وساعة يقع
وساعة يقول أنا اتمليت وجع)

وفي أمل أن يعود من ذهب، تقول المعددة على لسان من فقد حبيبهازوجها:

(يا دود كُل مِنه وخَللي لي
خَلِّي دِراع السبع يحميني
يا دود كُل منه وفَضّل لي
خلي دراع السبع يضمني)

وهكذا حتى تقول المعددة ما يفيض به الصدر ولا يستطيع اللسان البوح به، ولعل هذا الفن من أرقى وأصفى الأشعار وخلد مشاعر السيدات ومفردات الجنوب حينها، فهو بمثابة تأريخ للألفاظ والعديد من المواقف المختلفة للموت.