الأديبة والناقدة عائشة سلطان تكتب: حكمة الطريق
وفي نهاية المطاف، سنذهب بأقدامنا، وبنفوس
راضية، لتلك الطرقات والخيارات التي لطالما حاولنا الهروب منها، طوال سنوات أعمارنا
الفتية، في نهاية المطاف، سنشبه أمهاتنا وآبائنا، نحن الذين كنا نقول بيننا وبين أنفسنا،
وأحياناً كثيرة أمام أصدقائنا: لن نجعلهم يحولوننا إلى نسخ منهم، كما فعل بهم آباؤهم
وأمهاتهم، سنصنع خياراتنا، وسنحفر طرقاتنا، ونمضي لنكون ما نريد، سنفرح على طريقتنا،
ونربي أولادنا على هوانا، سنعلمهم كيف يختارون الكتب المختلفة، ويحبون الشعر، والفلسفة،
والسفر، وكيف يعشقون أوطانهم أكثر مما يحبون أي أحد آخر.
ولقد حاولنا، وفعلنا، لكننا في نهاية المطاف،
أصبحنا نسخاً من أمهاتنا، صرنا نحب ما كانوا يحبون، ونتذمر مما كانوا يتذمرون، ولم
نعد نؤمن بالأساطير كثيراً، كما كنا، رغم كل ما قرأناه وعلمناه أبناءنا، يوم أخبرناهم
عن «إيثاكا» الجزيرة اليونانية، التي أنجبت الملك الأسطوري «أوليس»، الذي صنع الحصان
الشهير في حرب طروادة.
لطالما اخترنا «إيثاكا»، لنقول إن الطريق
إليها أجمل منها، فعشنا تجربة الطريق، ولم ننشغل كثيراً بما ضاع منا وما انكسر، فنحن
إذ نفقد شيئاً، نعرف أننا سنكتسب ما هو أجمل منه ربما، لقد كسبنا متعة الطريق وعظمة
التجربة.. تلك هي الحكمة!
سنصير في نهاية المطاف، أشبه الناس بأمهاتنا وآبائنا، وسنعيد سيرتهم، ونكرر أخطاءهم، وسنلتمس لهم الكثير من الأعذار، لأننا أبناؤهم، ولأننا نحمل أبناءهم، وفصيلة دمهم، وجينات نزعاتهم، ومهما عبر الزمن فوق رؤوسنا، أجيالاً تلو أجيال، لن نكون سوى أطفال أمهاتنا الصغار، الذين تمردنا عليهم ذات يوم، وإذا بنا ننتظر تمرد أبنائنا علينا، ونحن نبتسم لخديعة الأيام!
وحين سيسألوننا عن حصاننا، وعن أحلامنا، وفي ما إذا كانت قد انتصرت، كما حصان طروادة، سنتذكركم، وسنكرر إجاباتكم!
عن صحيفة البيان