الجمعة 22 نوفمبر 2024 الموافق 20 جمادى الأولى 1446
رئيس مجلس الإدارة
خالد جودة
رئيس مجلس الاداره
خالد جوده

من فتاوى التراث.. هل يجوز التبرع بأعضائي بعد وفاتي؟

الأحد 29/أغسطس/2021 - 07:49 م
هير نيوز
من فتاوى التراث..

هل يجوز لي الوصية بقطع عضو منّي بعد وفاتي والتبرع بها لمريض محتاج إليها؟، وبوجه عام إذا لم يوص المتوفي بالتبرع بأعضائه هل يجوز قطع عضو من جثته والتبرع به لمريض محتاج إليه للعلاج دون إذن أقارب المتوفي باعتبار أن الحي أبقى من الميت؟.

أجاب عن هذا السؤال الشيخ جاد الحق علي جاد الحق في فتوى تراثية فقال: إن الوصية فى اصطلاح فقهاء الشريعة الإسلامية تمليك مضاف إلى ما بعد الموت، وبهذا المعنى تكون الوصية شرعا جارية من الأموال والمنافع والديون.

وقد عرفها قانون الوصية بأنها تصرف فى التركة مضاف لما بعد الموت.

وبهذا فإن الإيصاء ببعض أجزاء الجسم كما جاء فى السؤال لا يدخل فى نطاق الوصية بمعناها الاصطلاحي الشرعي؛ لأن جسم الإنسان ليس تركة ولكنه يدخل فى المعنى اللغوى للفظ الوصية، إذ هذا اللفظ يطلق بمعنى العهد إلى الغير في القيام بفعل شيء حال حياة الموصي أو بعد وفاته.

إرادة مقيدة
وكل إنسان صاحب إرادة فيما يتعلق بشخصه وإن كانت إرادة مقيدة بالنطاق المستفاد من قول الله تعالى فى سورة البقرة { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين } البقرة 195 وقوله سبحانه فى سورة النساء { ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما } النساء 29 ، ويدل على ذلك ما ساقه الفقهاء من نصوص فى شأن الجهاد بالنفس وتعريضها بذلك للقتل، وما أوجبه الإسلام فى شأن إنقاذ الغرقى والحرقى والهدمى مع ما قد يترتب على ذلك من هلاك المجاهد أو المنقذ ، فإذا جزم طبيب مسلم ذو خبرة أو غير مسلم كما هو مذهب الإمام مالك بأن شق أى جزء من جسم الإنسان الحى بإذنه وأخذ عضو منه أو بعضه لنقله إلى جسم إنسان حى آخر لعلاجه إذا جزم أن هذا لا يضر بالمأخوذ منه أصلا إذ الضرر لا يزال بالضرر ويفيد المنقول إليه جاز هذا شرعا بشرط ألا يكون الجزء المنقول على سبيل البيع أو بمقابل، لأن بيع الإنسان الحر أو بعضه باطل شرعا.

وقد يسأل سائل: هل يجوز شرعا للإنسان التبرع أو الإيصاء ببعض أجزاء جسمه بعد الوفاة خدمة للمرضى المحتاجين كالكلى والقرنية وغيرها أو لا يباح ذلك؟، لا جدال فى أن الله سبحانه كرم الإنسان وفضله على كثير من خلقه، ونهى عن ابتذال ذاته ونفسه والتعدي على حرماته حيا وميتا.

وكان من مقاصد التشريع الإسلامى حفظ النفس، كما تدل على ذلك الآيتان الكريمتان المتلوتان آنفا، ويدل على تكريم الإسلام للموتى من بنى الإنسان ما شرع من التكفين والدفن وتحريم نبش القبور إلا لضرورة، كما يدل على هذا نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن كسر عظم الميت بقوله (كسر عظم الميت ككسره حيا).

وإذا كان الإسلام قد كرم الإنسان حيا وميتا فهل يجوز شق جسده بعد الوفاة؟.

حرمة الميت
خلاصة أقوال الفقهاء أن فقه مذهبي الإمامين أبى حنيفة والشافعى يجيزان شق بطن الميت سواء لاستخراج جنين حى أو لاستخراج مال، وأن فقه مذهبى مالك وأحمد بن حنبل يجيزان الشق فى المال دون الجنين.



والذي أختاره في هذا الموضع هو ما ذهب إليه فقهاء الحنفية والشافعية من جواز شق بطن الميت لمصلحة راجحة، سواء كانت لاستخراج جنين حى أو مال للميت أو لغيره، إذا كان ذا قيمة معتد بها عرفا ينتفع بها الورثة أو تقضى به ديونه، وأما الحديث الشريف الذى رواه البيهقى فى السنن الكبرى كما روي فى سنن أبى داوود وسنن ابن ماجه عن عائشة رضى الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (كسر عظم الميت ككسره حيا) فالظاهر أن معناه أن للميت حرمة وكرامة كحرمة الحى، فلا يعتدى على جسمه بكسر عظم أو غير هذا مما فيه ابتذال له لغير ضرورة أو مصلحة راجحة.

وهذا المعنى ظاهر ما ذكره المحدثون فى بيان سبب الحديث من أن الحفار الذى كان يحفر القبر أراد كسر عظم إنسان دون أن تكون هناك مصلحة فى ذلك.

وبهذا المفهوم يتفق الحديث مع مقاصد الإسلام المبنية على رعاية المصالح الراجحة، وتحمل الضرر الأخف لجلب مصلحة تفويتها أشد، وفى استدلال الفقه الزيدي بالآية الكريمة (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا) .

وهنا ننتقل لسؤال هل يجوز شرعا أخذ جزء من جسم الميت وإضافته إلى جسم الإنسان الحى على سبيل العلاج والدواء؟
وللإجابة على هذا التساؤل يتعين التعرف على حكم الإسلام على الإنسان بعد الموت، هل جسده ميتة نجس كسائر الميتات ، وهل ما ينفصل منه حال حياته يصير ميتة نجسا.

جسد الميت طاهر
 يقول الإمام النووى الشافعى فى كتابه المجموع شرح المهذب فى بيان الجلود النجسة أن الصحيح فى المذهب أن الآدمي لا ينجس بالموت لكن لا يجوز استعمال جلده ولا شىء من أجزائه بعد الموت لحرمته وكرامته، وأن قولا ضعيفا فى المذهب قد قال بنجاسة الآدمى بالموت.

وفى الفقه الحنفى أن الآدمى ينجس بالموت ثم اختلف فقهاء المذهب هل هى نجاسة خبث باعتباره حيوانا دمويا فيتنجس بالموت كسائر الحيوانات أو هى نجاسة حدث يطهر بالغسل كالجنب والحائض إعمالا لحديث أبى هريرة رضى الله عنه كما جاء فى فتح القدير للكمال بن الهمام (سبحان الله.

المؤمن لا ينجس حيا ولا ميتا) وحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال (لا تنجسوا موتاكم فإن المؤمن ليس بنجس حيا ولا ميتا)، أخرجه الحاكم والدار قطنى مرفوعا كل بسنده .

والأظهر فى الفقه المالكى أن الآدمي الميت ولو كافرا طاهر كما جاء فى الشرح الكبيرة وحاشية الدسوقى فى بيان الأعيان الطاهرة والنجسة، وأن ما انفصل منه حيا أو ميتا طاهر كذلك .

والصحيح عند الحنابلة كما جاء فى المغنى لابن قدامة فى بيان ما ينجس به الماء أن الآدمى طاهر حيا وميتا ومقابل الصحيح أنه ينجس بالموت ويطهر بالغسل .

ويرى فقه الزيدية أن جسد الآدمى المسلم طاهر حيا أو ميتا، ويقول ابن حزم فى كتابه المحلى إن كل ما قطع من المؤمن حيا أو ميتا طاهر .
ومن هذا العرض الوجيز نرى أن كلمة الفقه الشافعى والمالكى والحنبلى والزيدى والظاهرى متفقة على أن الصحيح أن جسد الإنسان المسلم طاهر حيا أو ميتا، وإذا أخذنا من الفقه الحنفى القول بأن النجاسة بعد الموت إنما هى نجاسة حدث لا خبث ويطهر بالغسل كالجنب والحائض .

فإن رأى هذه المذاهب يكاد يتفق على طهارة جسد المؤمن بعد الموت، وعلى طهارة ما انفصل منه حال الحياة كذلك .

ثم ننتقل بعد هذا للبحث فى أقوال الفقهاء عما إذا كان يحل قطع جزء من جسم إنسان حى أو ميت ونقله إلى جسم إنسان حى لعلاجه أو بديلا لجزء تالف فى جسد هذا الأخير أو لا يحل ذلك يقول الفقه المالكى كما جاء فى الشرح الكبير وحاشية الدسوقى - إذا سقطت السن جاز ردها وربطها بشريط من ذهب أو من فضة وإنما جاز ردها لأن ميتة الآدمى طاهرة، وكذا يجوز أن يرد بدلها سنا من حيوان مذكى وأما من ميتة فقولان الجواز والمنع ، وعلى الثانى فيجب قلعها فى كل صلاة ما لم يتعذر عليه قلعها وإلا فلا .

وبناء على ذلك يجوز شق بطن الإنسان الميت وأخذ عضو منه أو جزء من عضو لنقله إلى جسم إنسان حى آخر يغلب على ظن الطبيب استفادة هذا الأخير بالجزء المنقول إليه، رعاية للمصلحة الراجحة التى ارتآها الفقهاء القائلون بشق بطن التى ماتت حاملا والجنين يتحرك فى أحشائها وترجى حياته بعد إخراجه، وإعمالا لقاعدة الضرورات تبيح المحضورات، وأن الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف، التى سندها الكتاب الكريم والسنة الشريفة.

اقرأ أيضًا..

ads