"حلقاتك برجالاتك".. لغز نجاة المولود فرعونيًا.. وفرحة أم بـ"أيامه السبعة"
"يارب يا ربنا.. تكبر وتبقى قدنا".. أغنية "السبوع" الشهيرة في فيلم "الحفيد" للراحلين كريمة مختار وعبدالمنعم مدبولي، الذي أنتج قبل 47 عامًا، وتحولت أغنيته إلى أهم طقوس السبوع حينها وحتى عصرنا الحالي.
ولم تكن تكتمل الفرحة بالمولود الجديد، إلا حين سماع هذه الأغنية، بكلماتها المأخوذة بالأصل من التراث المصري في الاحتفال بالسبوع مثل "حلقاتك.. برجالاتك" وهو تعبير قبطي يعني "الحلق أو الدبلة"، أما "برجالاتك" فتعني "يوسع في رجليك وتمشي بسرعة".
أما عن عادات وتقاليد السبوع في المجتمع المصري، فإن أهم ما يميزها حتى الآن أنها عادات الغنى والفقير، والغريب أنه فى كل مدينة هناك شارع يبيع كل احتياجات السبوع واشهرها بالطبع "درب البرابرة" فى القاهرة.
تبدأ طقوس السبوع بوضع المولود في "الغربال"، والذي تطورت أشكاله مع مرور الوقت حتى أن منها الأول ما وصل لشكل "أرجوحة" يتم وضع الطفل فيها.
وفي المناطق الشعبية والأرياف لا يزال البعض يستخدم "الإبريق" أو "القلة" ويطلق عليها "التبييته" حيث يتم وضع أحدهما في صينية بها 7 حبات "القمح والعدس والحلبة والأرز والفول والحمص والذرة"، ثم بعد ذلك يوضع المولود في "الغربال" مع إلقاء تلك الوصايا الشهيرة "اسمع كلام أمك.. اسمع كلام أبوك"، طبعا كل ذلك مع دق الهون.
وعادة كانت تلك الكلمات بمثابة غرس أخلاقيات حميدة على مسمع الطفل منذ مولده، وهذا على اعتقاد أن حاسة السمع عند الطفل تبدا من اليوم السابع، ودق الهون فى حد ذاته بمثابة أداة تنبيه لما يقال من كلمات.
ويلتف الأطفال حول الأم وهى تقوم بالمرور على وعاء به الفحم البلدي مرشوش عليه الملح وشبه حتى ينطلق منها أدخنة عالية تقوم الأم بالمرور عليه 7 مرات، مع تعليق الخرزة الزرقاء، وتوزيع الهدايا والحلوى والبونبون والشيكولاته، وإشعال الشموع، وشرب أكواب المُغات، وإنطلاق الزغاريد.
واحتفالًا بالمولود، يتم حمله والسير به في أرجاء البيت مع ترديد الأغاني، مع رش الملح 7 مرات على الطفل وكل من حوله وفى البيت اعتقادا بان الملح يمنع الشر والحسد، وقهر عين الحسود عن المولود، ويسير كل شخص حاملًا شمعة من باب التفاؤل بالنور كرمز للحياة، وبعد الإنتهاء يتم توزيع "علب السبوع" على الكبار والصغار، والتي تعد من أهم مكوناتها الفشار، الحمص، الملبس، الفول السوداني وغير ذلك.
ولا تختلف العادات فى كل محافظات مصر عن بعضها باستثناء محافظة الأسكندرية حيث يجب أن تكون الصينية من الفضة وبها سبع حبوب مختلفة قمح وعدس وحلبة وأرز وفول وحمص وذرة مع أحد الخضراوات الورقية وعملة معدنية فضية تيمنًا للصغير بحياة رغدة.
أما في الواحات فإن لها طقوسًا أخرى، فبعد ولادة المرأة، يجب أن يُقْلى بعض البيض في سمن، وتذبح لها فرخة يجب أن تأكلها وتشرب حسائها وحدها تمامًا، ويصنع لها مشروب الحلبة بالبلح والعسل ويفضل بدبس البلح لطرد أي دماء أو بقايا في الرحم، وفي السبوع يوضع فوق المولود إبريق من الفخار به ماء وحلي من الهدايا، أما التسمية فيجب أن تتم بطريقتين: إما يوقد فوقه سراج من الفخار بسبع فتائل مسماة بأسماء ذكور لو كان المولود ذكر أو أسماء إناث لو كانت أنثى ثم توقد جميعًا ويسمى باسم آخر فتلة تبقى مشتعلة تيمنًا بطول عمره، أو يذهب الأب بسبع قوارير مسماة بأسماء مختلفة ليختارها أحد الصالحين فيكون هذا اسمه.
وارتبط "السبوع" اليوم السابع احتفالا بالمولود من عهد الإنسان المصرى القديم حيث كان نسبة وفاة المواليد في أيامه الأولى سائدة، والمولود صاحب الحظ في الحياة حتى اليوم السابع يتم الاحتفال به حيث يعتقد أنه طفل بكامل الصحة والعافية ويستحق الاحتفال به، كما أن المصرى القديم كان يقدس رقم سبعة واعتقد انه رقم الخير والسلام والصحة والحياة.
ويقول الأثريون أن المصرى القديم كان يقوم بوضع الأبريق أو القلة في صينية بها سبع حبوب مع رش الملح لإبعاد حسد الحاسدين وطلبًا لسعة رزق المولود، ومع أن هذه لم تعد إلا مجرد عادات يراها البعض بعيدة عن الدين فهى من العادات المصرية القديمة، لكن لا يزال البعض حريصًا عليها وعلى القيام بها.
ويضيف الأثريون أن المصرى القديم كان يقوم بوضع المولود بحمام السبوع "التعميد " بمياه الملائكة، حيث يتم تغطيس المولود فى مياه المعبد الطاهرة وهى ( مياه البحيرة المقدسة) حيث يقوم الكاهن برقيته لطرح البركة فى المولود ويقراء له آيات وأدعية دينية وتعاويذ تمنع عنه الشر والحسد ومن أشهر حمام المواليد حمام ابن الملكة كليوباترا حيث تم تعميده وتطهيره على نمط الطقوس المصرية القديمة فى معبد دندرة، أما فى المناطق الريفية تقوم جدة المولود اوأكبر نساء العائلة بغطس المولود فى حوض صغير ممتلىء بماء النيل وطرح أدعية عليه لكي تحل البركة والخير والصحة على المولود، وحتى فى عصرنا الحالى لا يتم تطهير المولود بالماء كاملا فى المنزل إلا فى ليلة اليوم السابع.
كما ارتبط المصرى منذ القدم باللباس الجديد للمولود وكان هذا اللباس فرضا على الاب حتى وقتنا هذا كما كان ومازال فى بعض الأماكن يكون أول ما يلبسه المولود ذكرا أم أنثى فستانا.
وحول استخدام القلة والأبريق، فيوضح الأثريين أن المصرى القلة للبنت والمقصود بها انها الوعاء يصب فيه المياه أى ان البنت هى وعاء المستقبل وعبء الحياة ورمز الخصوبة واستمرار الحياة داعيين لها بانجاب الاولاد والبنات. واستخدم الابريق للولد هو رمز الاداه التى يصب بها المياه فى مجري الحياة اى او من يضع الحياة فى الانثى لاستمرارها والتكاثر، أما الغربال فهو اداة نقاء الحبوب من الشوائب ولذلك استخدم فى السبوع اعتقادا بتنقية الطفل منذ مولده من الفاسد الطالح ويبقي فى المولود الصالح النافع وبصحة وعافية،
يذكر أن الجماعات الإسلامية قد حاولت مواجهة ظاهرة السبوع حيث أصدر الشيخ ياسر برهامى نائب رئيس مجلس إدارة الدعوة السلفية، فتوى حول ما يسمى بـ"السبوع للمولود"، معتبرا إياه بدعة ومن أعمال الجاهلية، فيما رد عدد من أعضاء لجنة الفتوى، أن الإسلام لا يحرم مثل هذا الأعمال، أن دين الإسلام يسر وليس عسر، وبالتالى فإن إقامة سبوع للمولود ليس حراما فى الإسلام، خاصة أن هذه العادة تتضمن توزيع الحلوى والأكل على الأقارب والأطفال وبالتالى لا يوجد بها مظهر يتعارض مع الإسلام.