القويسني: اللغات الأجنبية لم تستطع التقليل من تأثير "العربية" على شخصيتى
تحتفل الأمم المتحدة ومنظمة اليونسكو المعنية بالثقافة والعلوم باليوم العالمي للغة العربية في ١٨ من ديسمبر، كونها لغة التواصل لملايين البشر في العالم، كما أنها لغة القرآن الكريم وشعائر الإسلام الذي يدين به مايزيد عن 1.5 مليار مسلم، مما جعلها لغة غير مقتصرة علي أهلها في بلاد الشرق الأوسط. فقد اتسع تأثيرها وانتشر عبر قرون طويلة لتتفاعل وتؤثر في لغات أخرى من خلال الأحداث السياسية وحركة التاريخ.
وبسؤال الدكتورة نهال القويسني، كاتبة المقالات،الناقدة المحبة للأدب والثقافة،أبرز المشاركات في صالونات القاهرة الثقافية، عن سبب اتساع وانتشار اللغة العربية، قالت:" لا شك أن ترجمة العلوم والفلسفة والفكر التي قام بها العلماء العرب والمسلمون في فترات الازدهار الثقافي كان لها أبلغ الأثر في خلق حلقة الوصل بين الحضارات الإنسانية، وداعمًا لجهود تطور الفكر في العصور اللاحقة. فقد ترجمت الأعمال من اليونانية والرومانية إلى اللغة العربية بثراء واتساع وتعمق".
وعن ماذا تمثل لها اللغة العربية، فكرت مليًا ثم تحدثت: "ماذا تمثل اللغة بالنسبة لي كفرد في مجتمع عربي أدين بالإسلام؟! هذا سؤال سألته لنفسي من قبل، فاكتشفت وأنا بصدد التأمل في هذا الأمر كيف كانت اللغة العربية هي الركيزة الأساسية في تكويني العقلي والفكرى والوجداني والعاطفي، فرغم كون ثقافتي الدراسية ثقافة فرنسية خلال سنوات التعليم المدرسي، ورغم كون الإنجليزية كانت هي لغة العمل، بحكم عملي في منظمة دولية كبري تتم جميع تعاملاتها باللغة الإنجليزية، رغم تعدد الجنسيات في جميع المناصب والوظائف داخل المؤسسة، إلا أن اللغة العربية ظلت دائما هي لغة وجداني كفرد ينتمي بجذوره إلى تلك المنطقة من العالم التي تتواصل فكرًا ومشاعرًا وثقافة باستخدام اللغة العربية".
و تابعت:"أخذني التقكير إلى سنوات الطفولة والصبا والتي حرص فيها والداي، رحمهما الله، على أن يعلماني إتقان اللغة العربية والاهتمام بها الذي بلغ حد الشغف، ليتشكل وجداني من هذه اللغة فكرًا ومشاعرا وثقافة، فإذا نحينا جانبًا القراءة، والتي كانت تعتبر في ذلك الزمن الركيزة الأساسية في إتقان اللغة، فإننا لا يمكن أن نتجاهل دور الفن والموسيقي والمسرح والدراما والصحافة، كلها روافد ثقافية، وجميعها باللغة العربية، شكلت فكري ووجداني بميراث ثقافي ثابت الأركان لم تتمكن الروافد الأخرى، رغم قوتها، من التقليل من تأثيرها على بناء شخصيتي وتفكيري ووعيي وحسي الحضاري.
وأضفات الدكتورة نهال، عن سبب حبها وتعلقها الشديد باللغة العربية: "وفي الواقع أن تأثري البالغ بالمدرسة الوضعية المنطقية، ورائدها العظيم المفكر والفيلسوف زكي نجيب محمود، قد جعلني حريصة كل الحرص علي التمكن من مفردات اللغة ومعانيها، وبناء على هذه القناعة دربت نفسي على استخدام منضبط للغة، بحيث لا ينطق لساني، إلا بما أعنيه فعلًا دون مبالغة أو تهويل، وقد وجدت في اللغة العربية ثراء منقطع النظير من حيث المفردات، مما ساعدني على حسن التعبير والقدرة على الحديث الدقيق والمركز في المجالين الاجتماعي والمهني، والذي أصبح من السمات المميزة لحديثي ومثار تعليق واستحسان الجميع.
واستطردت القويسني"، قائلةً:"اللغة العربية بالنسبة لي أكثر من مجرد وسيلة تواصل مع قومي والقوميات الناطقة بها، لكنه تجاوز ذلك إلى إحساسي بالأماكن والأحداث والتاريخ والفكر والميراث الحضاري العريق والمؤثر الذي أنتمي إليه، والذي ساهم بشكل فعال وقوي في مسيرة الحضارة الإنسانية، وفي معادلة سريعة، اللغة العربية تساوي عندي أصالة وعراقة وحضارة، اللغة العربية هوية ووجود متكامل".