نص خطبة الجمعة : ضاع الأبناء بين أبٍ لا يعلم شيئاً عن أحوالهم وبين مدرس خان الأمانة
تدور خطبة الجمعة اليوم كما أقرتها وزارة الأوقاف بمساجدها حول: "التفوق العلمي وأثره في تقدم الأمم"
هيرنيوز تنشر نص الخطبة في السطور التالية:
لقد حثّ الله سبحانه وتعالى على العلم وبين منزلة العلم والعلماء والثواب العظيم عند الله تعالى، فقال سبحانه: “يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ”(المجادلة/11).
وذم الله تعالى الجهل والجاهلين، وحذر منه، وبيّن أنه سبب إعراض المعرضين عن دعوة الأنبياء والمرسلين، وأن الناس لجهلهم كذبوا بهم، يقول الله تعالى مخبراً عن قول نوح لقومه: “وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ وَمَآ أَنَاْ بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّيَ أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ”(هود/29).
وقال تَعالى: “خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ”(الأعراف/199). ويقول صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ بَيْنَ يَدَىِ السَّاعَةِ أَيَّامًا يُرْفَعُ فِيهَا الْعِلْمُ، وَيَنْزِلُ فِيهَا الْجَهْلُ، وَيَكْثُرُ فِيهَا الْهَرْجُ، وَالْهَرْجُ الْقَتْلُ “(متفق عليه).
ولم يأمر الله نبيه -صلى الله عليه وسلم- بالاستزادة من شيء إلا من العلم، فقال تعالي: “وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً”(طه/114). وما ذاك إلا لما للعلم من أثر في حياة البشر، فأهل العلم هم الأحياء، وسائر الناس أموات.
نور المعرف
ولقد منع الله سبحانه المساواة بين العالم والجاهل؛ لما يختص به العالم من فضيلة العلم ونور المعرفة:” قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ”(الزمر:9).
فالعلم شرف لا قدر له، ولا يجهل قدر العلم وفضله إلا الجاهلون، قال عبد الملك بن مروان لبنيه: “يا بَنيَّ، تعلَّمُوا العلم؛ فإن كنتم سادةً فُقْتُمْ، وإن كنتم وسَطاً سُدْتُم، وإنْ كُنتُم سُوقَةً عِشتُم”.
فَمَنْ لَمْ يَذُقْ مُرَّ التَّعَلُّمِ سَاعَةً *** تَجَرَّعَ ذُلَّ الجَهْلِ طُولَ حَيَاتِهِ
ومَنْ فاتَهُ التَّعْليمُ حالَ شَبابِهِ *** فَكَبّــِرْ عليْهِ أرْبَعــاً لوَفـــاتِهِ
عباد الله: إن طلب العلم خير ما ضُيِّعت فيه الأعمار، وأُنْفِقت فيه الساعات، فالناس إما عالم أو متعلم، أو همج رعاع: “مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَؤُلاءِ وَلاَ إِلَى هَؤُلاءِ وَمَن يُضْلِلِ الله فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً”(النساء:143).
عباد الله :” بالعلم تنهض الأمم وتواجه العقبات فالعلم هو أحد أعمدة بناء الأمم وتقدمها، فبالعلم تُبنى الأمم وتتقدم، ويساعد على النهوض بالأمم المتأخرة، ويقضي على التخلف والرجعية والفقر والجهل والأمية وغيرها من الأمور التي تؤخر الأمة، فالعلم من أهم ضروريات الحياة، كالمأكل والمشرب وغيرها، لذا اهتم الإسلام بالعلم فكانت أول آية نزلت هي :”اقرأ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ”(العلق/1) .ودعي صلى الله عليه وسلم لطلب العلم فقال: “من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك الله به طريقاً من طرق الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض، والحيتان في جوف الماء، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظً وافر”( احمد وأبو داود والترمذي).
عباد الله: بالعلم تُبنى الأمجاد، وتُشَيَّدُ الحضارات، وتَسُود الشعوب، وتبنى الممالك، بل لا يستطيع المسلم أن يحقق العبودية الخالصة لله تعالى على وَفق شرعه، فضلاً عن أن يبني نفسه كما أراد الله سبحانه أو يقدم لمجتمعه خيراً، أو لأمته عزاً ومجداً ونصراً، إلا بالعلم. وما فشا الجهل في أمة من الأمم إلا قوَّض أركانها، وصدَّع بنيانها، وأوقعها في الرذائل والمتاهات المهلكة.
ومن سلك طريقاً يظنه الطريق الموصل إلى الله تعالى بدون علم فقد سلك عسيراً، ورام مستحيلاً، فلا طريق إلى معرفة الله سبحانه وتعالى والوصول إلى رضوانه إلا بالعلم النافع الذي بعث الله به رسله، وأنزل به كتبه، فهو الدليل عليه، وبه يُهتدى في ظلمات الجهل، وشبهات الفساد والشكوك.
روح الحياة
عباد الله: “العلم هو روح الحياة ومنارة العز ومجد الإنسان وهو حجر الأساس في تنمية الأوطان وبه تمكن العلماء من الصناعة والزراعة والتقدم.. والعلم هو سلاح الزمان وأمان المستقبل وهو من يضع الأمم في الصفوف الأولية وما كان لها أن تنهض إلا بالتفوق العلمي.. ولن يكن هذا التفوق إلا بالجد والاجتهاد والمذاكرة وعدم الاعتماد على الغش في الامتحانات لأنه من البَلاَيَا العظيمة، التي ابتُلِيَ بها المسلمون، وكان له أكبر الأثر في تَخَلُّفِهِم العِلمي وعدم تفوقهم؛ فالطَّالِب الذي يجتاز الامتحان يحصل على شهادة، يعمل بموجبها، إما في التعليم أو الطب أو غيرهما، ويُصبِح مُؤتمنا على ما تولى، وكيف يصحُّ له أن يَتَوَلَّى عملاً ويأخذ في مقابله مالاً وهو إنما حصل عليه بالغِشِّ والحيلة؟!
هذا ظُلْمٌ لنفسه، وظلمٌ وخِيَانةٌ لعموم الأُمَّةِ؛ فالغِشُّ في الامتحانات أعظم من الغش في البيع والشراء لما يترتب عليه من مفاسد عظيمة وتوسيد الأمر إلى غير أهله فواجب المُسلم الإنكار على كل من سَهَّلَ الغش أو تَعَاطَاهُ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مَن غشنا فليس منَّا”(مسلم).فهو محرماً بل من كبائر الذنوب؛ لأنه إذا تبرأ النبي صلى الله عليه وسلم من فعل، فيعني هذا أنه من كبائر الذنوب، لا سيما وأن هذا الغش يترتب عليه أشياء في المستقبل، يترتب عليه الراتب والمرتبة وغير ذلك مما هو مقرونٌ بالنجاح.
فضل المعلم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي أشرف المرسلين أما بعد فيا عباد الله ..إن الله يرفع بالعلم أممًا ويجعلها أعلى الأمم وسادة العالم، كما كان في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم والقرون الأولى؛ حيث كان العالم كله يتعلم من العرب العلم، ولكن انقلبت الآية رأسًا على عقب، فالمسلمون في هذا الوقت يسافرون إلى آخر بلاد العالم؛ لكي يتلقوا العلم من الدول الغربية التي لا علاقة لها بالإسلام، وبعد انتقال النبي الكريم إلى جوار ربه، وجدنا أن العلماء من بعده اهتموا بالعلم، وطلبوه، وجعلوه من أولويات حياتهم بعد الفريضة؛ فعن ابن القاسم قال عن الإمام مالك: “سمعت مالكًا يقول: إن قومًا ابتغوا العبادة، وأضاعوا العلم، فخرجوا على أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- بأسيافهم، ولو ابتغوا العلم، لحجزهم عن ذلك”، وأيضًا الشافعي – رحمه الله تعالى – قال: “ليس شيء بعد الفرائض أفضل من طلب العلم”، كما نبه رسولنا الكريم على أهمية العلم، وأن ضياعه يعنى ضياع الأمم، وجعله من علامات الساعة، قال صلى الله عليه وسلم-:”إن من أشراط الساعة أن يُرفع العلم، ويثبت الجهل “،وفي رواية:” يقل العلم، ويكثر الجهل، ويُشرب الخمر، ويظهر الزنا”(متفق عليه).
اقرأ أيضا:
عن "الفساد وصوره".. نَص خطبة الجمعة اليوم
وما اختلَّتْ موازينُ الأمة، وفسد أبناؤها يا عباد الله-إلا حينما ضاع الأبناء بين أبٍ مفرط لا يعلم عن حال أبنائه، ولا في أيِّ مرحلة يدرسون، ولا مع مَن يذهبون ويجالسون، ولا عن مستواهم التحصيلي في الدراسة، وبين مدرس خان الأمانة، وتهاون في واجبه، ولم يدرك مسؤوليته. وهذا الحكم ليس عاماً؛ فإن بين صفوف المدرسين أتقياء بررة، ومربين أوفياء، وهُم كثير بحمد الله تعالى؛ وإن المنصف لَيُدْرِكُ دورَ ذلك الجنديِّ المجهول -المعلم المخلص- في تعليم الأجيال، وتربيتهم، وتقويم سلوكهم؛ وإن واجب الأمة نحوه أن تشكر جهوده، وتؤدي إليه بعضاً من حقه، وأن تعرف له قدره واحترامه وفضله.