عذراء السينما.. «أمينة رزق» نجت من محاولة اغتيال.. ولقبت بـ«عدوة الرجال»
الجمعة 04/يونيو/2021 - 08:18 م
في رحاب العارف بالله السيد أحمد البدوي، بمدينة طنطا عاصمة محافظة الغربية، ولدت أمينة محمد رزق، في 15 أبريل عام 1910، وحين بلغت الثامنة عشرة من عمرها، توفي والدها الذي كان غنيًا ميسرًا، فثارت أطماع المحيطين بها وبوالدتها، حيث تداول الجيران والأقارب شائعات أن ثروة الراحل تضم مجموعة كبيرة من السبائك الذهبية، وعلمت الأرملة المسكينة وابنتها أن ثمة من يتربص بهما للقضاء عليهما والاستيلاء على الثروة.
اختفاء
في جنح الليل، وتحت سطر ظلامه الدامس، انطلقت أمينة مع والدتها وخالتها التي تبكرها بعامين اثنين فقط، ملتحفات بالأمل في غدٍ مشرقٍ آمن في بلدٍ آخر غير مدينتهن اللائي نشأن وعشن فيها، ركبن القطار من محطة طنطا، وراح يطوي المسافات ساعة إثر ساعة، وكلّما توقف في إحدى المحطات قفزت قلوبهن من صدورهن خشية ان يباغتهن أحد معارفهن، فيكشف وجهتهن التي أردنها، ومرت ساعة.. اثنتان.. ثلاث.. خمسُ ساعاتٍ كاملة قضاها قطار الترسو حتى وصلن إلى باب الحديد في القاهرة.
حياة أخرى
أمام تمثال رمسيس الذي كان يحتل وقتها جزءًا من الميدان الكبير أمام محطة سكك حديد مصر، وقفت النساء الثلاث يتأملن ملامح هذا الحجر الأصم الصامد أمام تعاقب الدهور، والذي لا يهتز له جفن رغم الزلزلة التي تصل إليه كلّما أوشك قطار على القيام أو الوصول إلى المحطة، فرحن يتأملن تفاصيل التمثال كأنما أردن استلهام الصبر والثبات والصمود من أحد رموز الحضارة المصرية القديمة، وقد كان.
اكتفت الشابة أمينة بما تحصلت عليه من تعليم في مدرسة ضياء الشرق بطنطا، وقررت أن تشق طريقها الذي كانت تحلم به في عالم الفن، فكانت البداية الفنية مع علي الكسار ويوسف وهبي مع انطلاقة السينما المصرية، لتقف أمينة رزق على المسرح مع خالتها، لأول مرة كمنشدتين في فرقة علي الكسار على مسرح روض الفرج، وانتقلت بعدها للعمل في فرقة رمسيس المسرحية والتي أسسها يوسف وهبي، ولكن البداية الحقيقية كانت من خلال مشاركتها في مسرحية «راسبوتين» أمام يوسف بك وهبي لتحقق نجاحًا كبيرًا، وأتبعتها بالعديد من المسرحيات الشهيرة «الشبح، العدو الحبيب، ناكر ونكير، ابن الفلاح، ألف ضحكة وضحكة، يد الله، المليونير، الصهيوني، يا طالع الشجرة، إنها حقًا عائلة محترمة».
طريق السينما
بعد أن حققت نجاحًا ملحوظًا في المسرح، اتجهت أمينة رزق إلى السينما فشاركت في فيلم «قبلة في الصحراء» عام 1928 والذي يعد ثاني فيلم في تاريخ السينما المصري، ثم أتبعته بأفلام «سعاد الغجرية، أولاد الذوات، الدفاع، ساعة التنفيذ، الدكتور، قيس وليلى، رجل بين امرأتين، قلب امرأة، شريك حياتي، اشهدوا يا ناس، أين عمري، دعاء الكروان بداية ونهاية، قنديل أم هاشم، أريد حلا، السقا مات، العار، الكيت كات»، وغيرها من الروائع التي اندرج كثير منها ضمن قائمة أفضل 100 فيلم.
ومن مسلسلاتها "السيرة الهلالية" والإمام البخاري" و"هاربات من الماضي" و"أحلام مؤجلة" و"خالتي صفية والدير".
ومن أشهر الأدوار التي تركت بصمة عند جمهور أمينة رزق، فيلم «دعاء الكروان»، والذي قدمت خلاله دور أم لفتاتين مات والدهما، و«الشموع السوداء» حيث قدمت دور أم لاعب الكرة الشهير صالح سليم، و«المولد» حيث قدمت دور أم الفنان عادل امام، و«العار» الذي قدمت خلاله دور أم نور الشريف ومحمود عبد العزيز وحسين فهمي.
وكان آخر ما قدمته قبل رحيلها، مسرحية «يا طالع الشجرة» لتوفيق الحكيم وبمشاركة أحمد فؤاد سليم.
عدو الرجال
في بداية حياتها الفنية أُطلق عليها لقب «عدو الرجال»، لأنها رفضت الزواج وقررت التفرغ للفن، لأنها مع كل قصة تقدمها كانت ترى ما يفعله الرجال بالنساء بعد الإيقاع بهن، حيث رفضت عروض زواج من الممثل مختار عثمان، زميلها في فرقة رمسيس، وقاسم وجدي مدير مسرح رمسيس، كما رفضت الزواج من ثري عربي شهير، وهو الأمر الذي لم يعجب عائلتها في طنطا والتي قررت التبرؤ منها حال بقائها عزباء دون رجل يحميها من تقلبات الحياة، فاضطرت لعقدت خطبتها على أحد الضباط، وما لبثت أن استغلت سفره لفترة وأرسلت له شبكته لكي تعود إلى عملها بالفن، وبعدها بـ 14 عامًا عاد هذا الشخص مجددًا مصرًا على زواجه منها بعد أن تزوج فتاة أجنبية ثم طلقها، وبالفعل اتفقت معه أمينة رزق على أن يكون الأمر مجرد خطوبة وبعد عقد القران فوجئت به يطالبها بحقوقه الشرعية، لكنها رفضت لعدم وجود عاطفة ووافقت بعد تهديدات أسرتها لها بالتبرؤ منها.
عطاء حتى النهاية
على عكس بعض الفنانين رفضت أمينة رزق فكرة الاعتزال، على الرغم من المرحلة العمرية التي وصلت لها، فقد تجاوزت التسعين، لكنها ظلت تشارك في الأعمال الدرامية والمسرحية، وذلك رغم حادث السير الذي تعرضت له وأصابها بكسور في ساقها، وخلال مشوارها الفني حصلت أمينة رزق على العديد من الجوائز، ومنها وسام الاستحقاق من الرئيس جمال عبد الناصر، وفي عام 1991 عيّنت بمجلس الشورى.
ساعة الرحيل
في 24 أغسطس عام 2003، توفيت أمينة رزق في المستشفى عن عمر يناهز الـ93 عامًا، بعد أن أُصيبت بهبوط حاد في الدورة الدموية، بعد صراع استمر لمدة شهرين مع المرض.
اقرأ أيضًا..