«حتشبسوت».. أول امرأة تحكم مصر لـ ولايتين وراء الستار
الأحد 14/مارس/2021 - 05:52 م
بملامح مصرية أصيلة، بشرة خمرية وأنف معقوف، ووجه مستدير، اصطفت جموع الشعب أمام المعبد الكبير للاستماع إلى خطاب السيدة الأشهر بين اللائي تولين عرش البلاد.
-امرأة بملابس الرجال
راعهم ما شاهدوه، امرأة بملابس الرجال، ترتدي قفازات في كلتا يديها، وقفت بين الأعمدة الرخامية التي تزيّن مدخل المعبد الكبير في طيبة، لتعلن خطة حكمها حتى يشتد عود ولي العرش تحتمس الثالث الذي لم يكن تجاوز الـ9 من عمره حين مات أبوه تحتمس الثاني.
- بدء خطاب العرش
بمجرد بدء خطاب العرش، سمعت همهمات هنا وهمسات هناك، وتساءل المواطنون بدهشة واستغراب: تحكمُنا امرأة؟!.
فعلا صوتها لتقطع همهمات الحاضرين: أنا ابنةُ آمون.. فصمت الجميع عند سماع اسم الإله الأعظم وصاغوا السمع لتبدأ سيدتهم في عرض برنامجها لفترة الحكم الانتقالي، حتى يشب ولي العهد عن الطوق ويتسلم الأمانة.
الكثيرون، لم يكونوا يعرفون أن حتشبسوت كانت الحاكم الفعلي طوال سنوات حكم زوجها تحتمس الثاني، لشعورها بأنها صاحبة الحق في الحكم أساسًا، وأن زواجها من تحتمس الثاني لم يكن إلّا مسوغًا ابتدعه الكهنة ورجال البلاط لإبعادها عن الحكم حتى لا يقال إن طيبةَ تحكمها فتاة.
- وفاة الملك تحتمس الأول
عندما توفي والدها الملك تحتمس الأول، كانت حتشبسوت شابة في العشرين من عمرها، على دراية بأمور البلاط وخبيرة في إدارة شؤون البلاد حيث كان الملك حريصًا على تلقينها كل قواعد وأصول الحكم، فكانت شريكة معه في الحكم، والوريثة الشرعية للعرش؛ لذا كان من المعقول أن تكون هي الفرعون الذي يلي تحتمس الأول على العرش، لكن ذلك لم يصادف هوى رجال البلاط والكهنة فبدأت الدسائس والمؤامرات التي لم تُجدِ نفعًا مع تلك الفتاة القوية المدربة على إدارة شؤون البلاد، فبدأوا بتهيئة الأجواء ليكون الأخ غير الشقيق تحتمس الثاني شريكا في الحكم، فأعلنوه زوجًا لها.
- حتشبسوت
وكان تحتمس الثاني نحيلًا واهنًا، لا يقدر حتى على إدارة شؤون ذاته، لكن الأمر الواقع فرضه شريكا في الحكم والفرعون الظاهر أمام الناس، بينما كانت تدير حتشبسوت شؤون المملكة من وراء ستار.
وبوفاته، جاء الفرصة سانحة لحتشبسوت لتعلن نفسها فرعون البلاد، وبذلك تكون أول من حكم مصر لدورتين متتاليتين، فارتدت زي الرجال، ووضعت في يديها قفازين لم يعلم أحد بسرّ إصرارها على ارتدائهما سوى بعد وفاتها، في أثناء التحنيط اكتشف الحكماء والكهنة أنها تمتلك ستة أصابع في كل كف، وحرصت على إخفاء هذا العيب الخلقي طوال فترة حكمها التي وصلت إلى 21 عامًا و9 أشهر.
أكثر من 21 عامًا قضتها "حتشبسوت" في سدة الحكم، عرف الشعب فيها الرخاء والبناء اللذين افتقدهما طوال سنوات حكم تحتمس الثاني، بنت واحدا من أقوى جيوش العالم وأعادت بناء الأسطول البحري، وسيّرت القوافل التجارية إلى المحيط الأطلسي، وأعادت فتح المحاجر والمناجم التي أهملت لفترة طويلة، وخاصةً مناجم النحاس في شبه جزيرة سيناء، والتي توقف العمل فيها منذ حكم الهكسوس لمصر، ليخلع عليها شعبها عدة ألقاب، وجدها الآثاريون منقوشة فوق جدران المعابد، من بينها "ملك الصعيد والدلتا، ابنة الشمس، صديقة آمون، مانحة السنين، إلهة الإشراقات، هازمة جميع البلاد، التي تحيي القلوب، السيدة القوية".