بصحبة كوب الشاي
الخميس 19/نوفمبر/2020 - 05:27 م
شيماء عبد الناصر
غالبية النساء يعتبرن كوب الشاي مكافأة مُستحقة بعد غسيل المواعين، لكنها لم ولن تفعل ذلك، لماذا عليها الانتظار كل ذلك؟ إنها تريده الآن، وبسرعة، أسرع شيء يمكنها فعله هو كوب الشاي خاصتها، إنما كل ما لديها بعد ذلك تفعله ببطء، تقوم من نومها ببطء، يفترش النسيم شعرها في البلكونة بهدوء صباحي منعش، تسرح في الملكوت أمامها كله، الاخضرار القريب مع الإصفرار البعيد أو ليكن رمادي بعيد إنه- هذا الجبل- من قريب يبدو أصفر معشقًا بالرمال لكن من بعيد هو رمادي، هادئ، لطيف، وديع.
لا زوج.. لا أولاد.. لا أب.. لا أم، لا أسرة أو أي شيء، إنها المرأة الوحيدة السمينة كما يتهامس الجيران عنها لكن لا يهم، كل ذلك لا يعنيها شيئًا، اختارت هذا المكان خصيصًا لتسكن فيه، قريب من الزرع يحيطه النسيم والجبل من جميع النواحي، تعرف أنها امرأة كسولة، لكنها تستمع بكل شيء، ما فائدة أن تكون نشيطًا وأنت لا تستمتع بالحياة، الحياة ممتعة لو أنك ركزت قليلا على ملامحها الهادئة وتعاملت معها بهدوء، ربما هي ليست كسولة بالمعنى المتعارف عليه، إنها هادئة وديعة كتلك النسمات التي تبعثها وريقات الزرع الأخضر الناعم، الحمام والعصافير والهواء والبيوت القصيرة التي تبدو كقديمة لأنها مبنية من الطين.
وفي هذا الزمن هناك احتياج كبير للبيوت الطينية، البيوت الطينية تناسبها تمامًا برغم أنها تعيش في عمارة إسمنتية قبيحة تحاول تجميل ملامح شقة من شققها في الدور الخامس، هي لا تعرف ماذا تفعل للرجل الذي بناها، تحبه؟ تكرهه؟ تقتله؟ بناء عمارة وسط الخضرة واقتطاع جزء من الأرض الخصبة جريمة، لكن أن تسكن هي في إحدى الشقق، جريمة حلوة، تشبه حلاوة كأس زجاجي وحيد طويل ومنمق ومصنوع بفنية عالية، تحرص أثناء غسيله على كل تفصيلة ورسمة على الكأس، رائحة الليمون في الصابون السائل المعطر حلوة، آه كانت أمها محقة كل الحق حينما كانت في "أيام الوحم" تشم هذا الصابون السائل.
وترشف هذه الفقاعات الماسية الناعمة الطرية، هذا سحر أبدي يا أماه، لديك كل الحق، وليذهب الطب والأطباء إلى الجحيم، تأخذ وقتها كله وراحتها المتناهية في أثناء حشو الأكواب والكنك والكاسات بالسلكة الناعمة، وتلف يدها البيضاء الصغيرة المكتنزة داخلها، مرح شديد وانسيابية في المزاج وتستمع أثناء ذلك كله لأغاني متنوعة، هي ممتنة بالفعل لهذا الكوكب، هذا العالم، الكرة الأرضية، الزمن، المكان، الماضي، الحاضر، حتى الواقع بكل سلبياته، تنداح على صفحة الفيس أخبار الدنيا بوجهيها الحلو والمر، لكنها لا زالت ممتنة لكل الدنيا، حلوها ومرها، إن فيها على الأقل موسيقى وغناء، والإنسان مخلوق لطيف بالفعل، تجد تلك الفكرة مسلية حقًا وعظيمة، الإنسان مخلوق لطيف برغم كل ما يسببه من دمار للكوكب وكل المعضلات والمشاكل، لكن بين البشر من يغني ويرقص ويؤلف الموسيقى، ويرسم ويكتب، إن البشر مفرخة جميلة للإبداع ولتعديل المزاج، فكما يصنعون إزعاجها يستطيعون أيضًا أن يجعلوها تذوب كسائل الصابون الليموني في طبق الصيني الواسع، أو صينية الشاي الصغيرة.
على جدار غرفة الصالون لوحة وحيدة معلقة أمامها تتأملها بعد غسيل المواعين، إنها تخص المواعين نفسها، لوحة" غسيل المواعين" لفنانة تشكيلية راحلة تدعى مها الشايب، تتخيل تلك اللحظات التي رسمت فيها اللوحة، هل كانت الفنانة منتهية للتو من غسيل المواعين، هل انتعشت برائحة الليمون مثلها أثناء استعمالها الصابون السائل، يتبقى من كوب الشاي المنمق بالنعناع بعض رشفات، تحتسيها بينما تنظر للوحة.
عجيب الإنسان إن فيه شيء ما يدفعه للمشاركة، أن يصنع احتفالا بهيجًا يشرك فيه الأصدقاء والجميع، يحتفل بالحب، بالأبناء، بالبهجة، بأي شيء يصنعه، ولذلك فإن اختراع الفيس بوك كان جيد للبشر، يشبعون فيه رغبتهم في التحدث لأحد، للمشاركة، لوضع صورهم عليه، لديها هي صورة غالية، أو بالأحرى صورتين، كوب الشاي، لوحة المواعين، تلتقط الصورتين، تشاركها على الفيس بوك، تنتشي بشدة وهي تستريح على سريرها، لحظات قبل نوم عميق ساعة القيلولة.
على جدار غرفة الصالون لوحة وحيدة معلقة أمامها تتأملها بعد غسيل المواعين، إنها تخص المواعين نفسها، لوحة" غسيل المواعين" لفنانة تشكيلية راحلة تدعى مها الشايب، تتخيل تلك اللحظات التي رسمت فيها اللوحة، هل كانت الفنانة منتهية للتو من غسيل المواعين، هل انتعشت برائحة الليمون مثلها أثناء استعمالها الصابون السائل، يتبقى من كوب الشاي المنمق بالنعناع بعض رشفات، تحتسيها بينما تنظر للوحة.
عجيب الإنسان إن فيه شيء ما يدفعه للمشاركة، أن يصنع احتفالا بهيجًا يشرك فيه الأصدقاء والجميع، يحتفل بالحب، بالأبناء، بالبهجة، بأي شيء يصنعه، ولذلك فإن اختراع الفيس بوك كان جيد للبشر، يشبعون فيه رغبتهم في التحدث لأحد، للمشاركة، لوضع صورهم عليه، لديها هي صورة غالية، أو بالأحرى صورتين، كوب الشاي، لوحة المواعين، تلتقط الصورتين، تشاركها على الفيس بوك، تنتشي بشدة وهي تستريح على سريرها، لحظات قبل نوم عميق ساعة القيلولة.