اليوم العالمي للمرأة| ملك حفني ناصف.. أول فتاة تحصل على الابتدائية
الإثنين 08/مارس/2021 - 11:10 م
أحمد زكي
في صباح 25 ديسمبر عام 1886م، كانت الفرحة على موعد لترفرف بجناحيها في بيت رجل القانون واللغوي والشاعر حفني ناصف بك حفاوة واحتفالًا بمولد ابنته، التي تصادف يوم مولدها مع زفاف الأميرة ملك إلى الأمير حسين كامل، "السلطان حسين فيما بعد"، فأسماها والدها باسم الأميرة ملك التي صار اسمها فيما بعد السلطانة ملك حسن طوران، والتي تعد أول سلطانة لمصر في العصر الحديث بعد شجرة الدر.
ما إن شبت الطفلة "ملك" عن الطوق، حتى ذاعت في أرجاء المحروسة دعوات الإصلاحي الشهير قاسم أمين لتحرير المرأة، وكانت تطالع صورَه في الصحف التي يحرص والدها –أحد مؤسسي الجامعة المصرية – على قراءتها كل مساء، فكانت تسأل والدها دائمًا عن ذلك الشاب الذي لا تخلو الصحف من صورته يوميًا، فحكى الأب للطفلة اليافعة تفاصيل قصة قاسم أمين.
يومًا بعد يوم استشعرت الأسرة أن الطفلة ملك، مختلفة تمامًا عن قريناتها، فأصرّ والدُها على إلحاقها بالمدرسة، وحصلت بالفعل على الشهادة الابتدائية عام 1900، لتكون بذلك أول بنت مصرية تجتاز تلك المرحلة التعليمية، ثم درست في "قسم المعلمات" بالمدرسة نفسها، وحصلت على الدبلوم عام 1905 وعملت مدرسة في المدرسة السنيَّة.
في 1907، تقدم لخطبتها تزوجت عبد الستار الباسل، أحد أعيان الفيوم، والذي كان زعيمًا لقبيلة الرماح الليبية في محافظة الفيوم، وافقت الأسرة على الفور، وانتقلت ملك من حي الجمالية في القاهرة إلى قصر الباسل في الفيوم.
من شرفة غرفتها في قصر الباسل، كانت تطالع مشاهد أخرى غير تلك التي اعتادتها في القاهرة، كانت ترى الفلاحات يعانين في مساعدة رجالهن بأعمال الحقل، تحمل كل منهن في الصباح فوق رأسها "مَشنّة" تضم طعام الفطور الذي أعدته ليتناوله زوجها في الحقل، وعند الظهر تعود لتحمل أخرى بها وجبة الغداء، وعندما يحل المساء، كانت تراهن يجرجرن أقدام المعاناة وهن يسحبَن الماشية، بينما يمتطي الرجل الأتان ويهز رجله كسلطان فوق كرسي عرشه.
مشاهد عديدة اصطدمت بها، وصدمتها، زاد من حدتها بقاؤها عاقرًا لسبع سنواتٍ كاملة، ثم زاد الطين بلة أن أعاد الوجيه عبد الستار الباسل زوجته الأولى إلى عصمته لتنجب له بنتًا فبينما بقيت ملك كـ"أرض بور" مثار سخرية أحيانًا وشفقة في أحايين كثيرة تتحدث عنها الخادمات في القصر والمترددات على بيت العائلة.
وفي تلك البيئة عرفت الحياة المتدنية التي تعيشها المرأة، ومن ثم وقفت نشاطها على الدعوة إلى الإصلاح وتحرير المرأة بما لا يتعارض مع الدين أو التقاليد، فراحت تكتب تحت اسم "باحثة البادية"، باعتبارها باحثة عن إصلاح حال المرأة في "بوادي الفيوم".
ولأنها – في نظر المجتمع عاقر- فقد قررت أن تشغل نفسها في عملٍ مفيد، فأسست "اتحاد النساء التهذيبي"، ليضم الكثير من السيدات المصريات والعربيات وبعض الأجنبيات، والذي يهدف إلى توجيه المرأة إلى ما فيه صلاحها، والاهتمام بشؤونها، كما كوَّنت "جمعية التمريض" لإغاثة المنكوبين المصريين والعرب، والتي مثلت النواة الأولى وحجر الأساس لما عرف فيما بعد باسم جمعية الهلال الأحمر، وأقامت بمنزلها بالقاهرة مدرسة لتعليم الفتيات مهنة التمريض، وكفلت لهذه المدرسة كل احتياجاتها من مالها الخاص، وأوقفت 35 فدانًا لإنشاء مشغل للفتيات، لكن داهمتها الوفاة في عام 1956 م قبل أن تكمل مشروعها.
الغريب أن إحداهن، أشارت عليها ذات يومٍ بضرورة زيارة طبيب لمعرفة سبب عدم الإنجاب، وكانت المفاجأة، حين قرر الطبيب أنها صالحة للإنجاب ولا عيب فيها، فتم استدعاء زوجها لزيارة الطبيب ليفجر مفاجأة أخرى، الزوج أصيب بالعقم بعد إنجاب طفلته من امرأته الأولى.
وكان الزوج اضطر لإجراء جراحةٍ ما، فأثّرت بشكل أو بآخر في قدرته على الإنجاب، لتصبح ملك بريئة من تهمة العقم.