في اليوم العالمي للمرأة.. حكم نهائي بإعفاء ممرضة من السهر لرعاية زوجها الكفيف
حصلت السيدة (م.س.م)، صباح اليوم 8 مارس 2021، على شهادة من جدول المحكمة الإدارية العليا بعدم وجود طعن على الحكم التاريخي الصادر من محكمة القضاء الإداري بكفر الشيخ في الدعوى رقم 6216 لسنة 11 قضائية بجلسة 28 يناير 2014.
وقد صدر هذا الحكم، برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي، نائب رئيس مجلس الدولة، ويقضي بإلغاء قرار وكيل وزارة الصحة بكفر الشيخ فيما تضمنه من رفض طلب السيدة (م.س.م) الممرضة بمستشفى بلطيم المركزي بإعفائها فقط من السهر في الليل بالمستشفى من أجل رعاية زوجها الكفيف بالمنزل، والذي يعمل خطيب وإمام مسجد ببلطيم، وألزمت وكيل وزارة الصحة بعدم تكليفها بالسهر بالمستشفى.
ويأتى انتصار السيدة المصرية اليوم فى الوقت الذى يحتفل فيه العالم ومصر فى قلبه النابض باليوم العالمي للمرأة منذ أن أقر هذا اليوم كمناسبة عالمية بعد انعقاد أول مؤتمر للاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي فى 7 مارس 1945؛ إذ أكد القضاء المصري بهذا الحكم على حق المرأة الدستوري في كفالة التوازن والتوفيق بين واجبات الأسرة ومتطلبات العمل، باعتبار المرأة مصباح الحضارة المصرية في النضال والتضحية؛ إذ وصف المرأة بالكوكب الدري الذي يستنير به الرجل.
وفي مشهد مبكي وقفت المدعية وهي تحتضن زوجها الكفيف أمام القاضي الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي وشرحت قضيتها بأنها تعمل بوظيفة مشرفة تمريض بمستشفى بلطيم المركزي، ونظرًا لظروفها العائلية؛ إذ إن زوجها كفيف ولا يستطيع أن يخدم نفسه في الليل، فقد تقدمت بطلب إلى وكيل وزارة الصحة بكفر الشيخ بقصد إعفائها من النوبتجيات والسهر الليلي لتكون بجوار زوجها الكفيف، فإنه رفض بحجة وجود عجز في مشرفات التمريض، فجاء قرار القاضي بأن الحكم آخر الجلسة.
وقالت المحكمة، برئاسة القاضي الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي، نائب رئيس مجلس الدولة في حيثيات الحكم: إن المرأة المصرية كانت ولا تزال سندًا ركيزًا للرجل في كفاحه ضد الاستبداد على مدار ثوراته في التاريخ، خاصة منذ أوائل القرن الماضي حتى الاَن سعيًا للحرية وبلوغًا لأواصر الديمقراطية، وضربت للرجل مثلًا في القدوة والوطنية وغدت مصابيح الحضارة المصرية في النضال والتضحية، وكان دورها في تنمية المجتمع عنصرًا فاعلًا بعد أن ذاقت القهر والمهانة والاضطهاد في عصور الظلام، على الرغم من أنها الكوكب الدري الذي يستنير به الرجل ومن دونها لا تستقيم الحياة، فهي في الحقيقة تاج الخليقة ومكونة المجتمع، فلها عليه سلطة المشاركة فلا يعمل فيه شئ إلا بها ولأجلها.
وأضافت المحكمة موضحة الفضائل الكريمة واَداب السلوك للمرأة المصرية وأثرها على حسن أداء الوظيفة العامة بقولها، إنه كان حريًا بالرجل ألا يستأثر بجني ثمار الحرية وأن يهدهد من أطماعه العاتية لتبسط المرأة يديها الحانية فتشاركه قطوفها الدانية، وما من ريب في أن ما تعطيه المرأة لأسرتها من الفضائل الكريمة واَداب السلوك يؤثر حتمًا على حسن اضطلاعها بالوظائف العامة التي تقوم بها، مما يستوجب على جميع المسئولين بالدولة ألا يتغافلوا تجاه المرأة عن كفالة التوازن والتوفيق بين واجبات الأسرة ومتطلبات العمل وهو ما ارتقى به المشرع الدستوري ليضحي من الحقوق الدستورية الأصيلة للمرأة.
واختتمت المحكمة في حكمها الإنساني المستنير أن زوج المدعية كفيف وإمام وخطيب مسجد يواجه الظلام الكوني في الليل والظلام البصري الذي ابتلاه الله عز وجل، والمحكمة وهي الحارس الأمين على الحقوق والحريات العامة لا تقف مغلولة في تقدير تلك الاعتبارات، بل تنزل رقابة المشروعية الحقة التي وسدها إليها الدستور والقانون في توزان دقيق بألا تضع الإدارة من العراقيل ما يحول بين قيام المدعية برعاية زوجها الكفيف بالليل بإجبارها كرهًا على السهر بالمستشفى بعيدًا عنه مما يعرض حياته للمخاطر وهي مصلحة اجتماعية أوجب بالرعاية وأولى بالاعتبار، خاصة وأنه يكون للإدارة أن تكلف المدعية بأحد الفترتين أثناء النهار، فإنها اعتبرت أن فقدان البصر لزوجها ليس سببًا طبيًا يخصها، مخلةً بذلك بحق دستوري متمثل في تمكين المدعية من التوفيق بين واجبات أسرتها ومتطلبات عملها ومهدرة أيضًا لحق دستوري آخر لذوي الإعاقة في الرعاية طالما كافحوا للحصول عليه فى دستور 2014 الذى احتفى بهم، ولا يخفى أن القرار الطعين يؤدى إلى تمزيق الأسرة وتفريقها عندما يجد الزوج الكفيف زوجته تتركه في أحلك الأوقات باَناء الليل.
وبعد نطق القاضي بالحكم بكت السيدة وارتمت فى حضن زوجها الكفيف وقال زوجها للقاضي "عاشت العدالة أنا سامع صوت من الفضاء بيحكي نزاهة القضاء، ربنا يجعلك نصير للمظلومين ومحق للحق ومقاتل في سبيل الحق."
وقد أعربت منظمات حقوقية مهتمة بشئون المرأة، أنه بعدم حصول طعن على حكم القضاء الإداري النهائي الذي يعد ميثاقًا متجددًا يعكس رؤية المجتمع كله بكلمة الحقيقة التي نطقت بها منصته الرفيعة، وتعتبره المرأة المصرية وثيقة فخر لها في سجلها التاريخي الناصع في مصر الحضارة.