جيهان أبو زيد تكتب: قوانين الأسرة في مصر.. الضوء الخافت لا يزيح الظلام
الجمعة 05/مارس/2021 - 01:17 م
أمام العربة الملكية بالبهو العريق بالبرلمان المصري تقابلت أعينهما، عناق قصير ممزوج بالفخر جمعهما، كن واعيات بالأعين الكثيرة التي ترصد خطوات أول سيدتين بمجلس الأمة المصري، استعادا ثباتهما وتجاورت خطواتهما تسجل عام 1957 شاهدا على نجاح السياسية الشابة راوية عطية، ابنة الثلاثين عاما، في الانضمام إلى المجلس متفوقة على ستة مرشحين رجال نافذين في دائرة الدقي، ورفيقة دربها أمينة شكري في شرق الإسكندرية، والتي كانت تدير معركة أخرى لا تقل ضراوة. في هذا العام، تقدمت ثمان سيدات للترشح للبرلمان فور إقرار دستور 1956 حق النساء في الانتخاب والترشح، فازت السيدتان فوزا مستحقًا في أول معركة برلمانية تخضوها نساء مصر.
ببطء ملحوظ تزايدت أعداد النائبات في البرلمان المصري على مدى العقود الستة التي تفصل بين برلمان 1957 وبين برلمان 2021، لتحصد النساء أخيرا 27% من مقاعد البرلمان. ورغم ذلك الفارق الهام بين نسبة النساء في أول برلمان يعقب ثورة 1952 والبرلمان الراهن الذي بدأ دورته في الثاني عشر من يناير لهذا العام، فإن نفس الملفات التي تقدمت بها النائبتان مازالت قيد الدراسة، ففي عام 1958 تقدمت النائبة راوية عطية بمشروع قانون للأحوال الشخصية، قائلة: إن اثنتي عشرة مليون امرأة مصرية تعاني من قانون غير منصف أقر بداية القرن، لكن الدورة البرلمانية للنائبة انتهت وتجاوزتها دورات عدة ومازال قانون الأحوال الشخصية المصري يئن من فجواته التي تتسع تحت وطأة الفقر وإثر المتغيرات المتلاحقة التي يشهدها المجتمع.
***
يصعب رصد التحولات التي شهدتها وتشهدها مصر منذ إقرار قانون الأحوال الشخصية الأول عام 1920 والذي، على الرغم من تغير بيئته التي مهدت له، فإنه مازال جاثمًا على صدور الأسر المصرية عاصفًا باستقرارها، وضاربًا أمان النساء والرجال والأطفال المتظللين بمواد عتيقة خرجت للنور قبل أن تنير الكهرباء منازل مصر.
***
يصعب رصد التحولات التي شهدتها وتشهدها مصر منذ إقرار قانون الأحوال الشخصية الأول عام 1920 والذي، على الرغم من تغير بيئته التي مهدت له، فإنه مازال جاثمًا على صدور الأسر المصرية عاصفًا باستقرارها، وضاربًا أمان النساء والرجال والأطفال المتظللين بمواد عتيقة خرجت للنور قبل أن تنير الكهرباء منازل مصر.
يعزز القانون بصورته الراهنة من الطابع التسلطي في علاقة الزوج بالزوجة، فمازالت نساء مصر محكومات في منازلهن بقانون يعطي للرجل سلطة إخضاع وإجبار الزوجة على العيش معه عبر «قانون الطاعة» الذي صدر عام 1929، ومازال إلى الآن سيفا مسلطًا على رقاب الزوجات.
يُسمى القانون الزوجة التي لا تطيق البقاء مع زوجها «ناشزا»، ويسقط عنها حقها في النفقة.
يعكس بقاء نص الطاعة في قانون الأحوال الشخصية المصري لأكثر من مائة سنة صورة دقيقة لوضع النساء في التشريع الذي يرى المرأة مُلزمة بالطاعة لشخص يوفر لها المنزل ويتكفل بمتطلبات الحياة في انحراف تام عن مغزى الزواج ذاته الذي وصفته جميع الأديان بالمودة والرحمة. تنفي الطاعة مبدأ المساواة بين البشر وهو الحق الذي أقره الدستور المصري، في المادة 53 من الدستور التي تنص على أن «المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الاجتماعي، أو الانتماء السياسي أو الجغرافي، أو لأي سبب آخر». لتبدو مواد الطاعة في صدام مع حقوق المواطنة المتساوية التي تنص على أن جميع المواطنين ــ نساءً ورجالًا ــ متساوون أمام القانون.
***
يتضمن القانون عشرات الثغرات التي تقوض حقوق أحد الطرفين، فنفقة المطلقة تحدد عبر إثبات الدخل الشهري للرجل، ووفقا لرئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الحكومي فمنشآت الاقتصاد غير الرسمي تمثل 53 بالمائة من إجمالي المنشآت الاقتصادية في البلاد، ويعمل بها ما يعادل 29.3 بالمائة من إجمالي العاملين في المنشآت الاقتصادية. الأمر الذي يعنى استحالة إثبات حجم الدخل الحقيقي للزوج، فتضيع معه حقوق الزوجة والأبناء في الحصول على نفقة عادلة.
وطبقًا لقانون الأحوال الشخصية، فإن للرجل وحده الحق في الطلاق ما لم تشترط المرأة في عقد الزواج سبيلا آخر للتطليق، وهو أمر تقيده التقاليد الذكورية والأعراف المجتمعية وتحجب عن النساء استخدامه، فضلا عن ذلك يسمح القانون للرجل بإنهاء علاقة الزواج عبر طلاق شفهي دون الحاجة لأية إجراءات رسمية وعليه هو أن يوثق الطلاق ولا يُساءل بأي شكل من الأشكال إن تقاعس عن توثيقه، وهو الأمر الذي يتعمده بعض الأزواج للتمادي في إهانة زوجاتهم ليصير عبء إثبات الطلاق الشفهي على الزوجة! من ناحية أخرى مازال الطلاق الغيابي مقننا في ظل قانون الأحوال الشخصية الراهن، ومازال تعدد الزوجات أمرا سهل الوقوع وجحيما تتوقعه كل زوجة وعليها أيضا وفقا للقانون أن تثبت الضرر وتقنع القاضي بحجم الأذى الذي مسّها جراء زواج زوجها بأخرى!
وتواجه الزوجة التي تريد الطلاق في مصر خيارين، أولهما طلب التطليق لعيب أو ضرر، والثاني مخالعة الزوج بسبب بُغْض الحياة معه، بالتنازل عن جميع حقوقها المالية الشرعية (الخلع). وتختلف المرأة عن الرجل في أنها لا تستطيع الحصول على الطلاق إلا بحكم من المحكمة، وهو ما يسمى بالتطليق (أو التفريق).
تظل مشكلة الحصول على النفقة الشرعية أكثر المشكلات التي تعاني منها المرأة بسبب طول الإجراءات وتكدس الدعاوى والعجز عن تنفيذ الأحكام، وتحتل دعاوى النفقة المرتبة الأولى من دعاوى الأحوال الشخصية من واقع إحصاءات وزارة العدل، وقد أشار المجلس القومي للمرأة، إلى أن مشكلة مسكن الزوجية سواء أثناء فترة الحضانة أو بعد انتهائها تأتى في المرتبة الثانية، بين شكاوى المطلقات ودعاويهن ببطء إجراءات التقاضي.
هذا وتعاني الأسر المصرية التي تصارع لنيل فض عادل للعلاقة الزوجية من المساحات الرمادية بين النصوص التشريعية والتي يوظفها البعض للتحايل أو حجب حق الأطفال في رؤية الطرف غير الحاضن، يقع أيضا سن الحضانة ضمن النصوص الموجعة التي يعالجها نص قانوني، بينما هي أمر تقديري بحت يختلف اختلافا بينًا من حالة لأخرى ليقع عبء الحسم على القاضي الذي عليه أن يدرس يوميا مئات القضايا.
***
في هذا الإطار شهد البرلمان السابق جهودا حثيثة لإصدار تشريع حديث يحمي جميع أفراد الأسرة المصرية ويعتمد بنود الدستور المصري أساسا له. فقد قدمت ستة مشروعات قوانين تتعلق بالأحوال الشخصية من بينها مشروع قانون مُقدم من المجلس القومي للمرأة، فضلا عن أربعة مشروعات أخرى قُدمت من عدد من النواب لتعديل القوانين المعمول بها. وتعقد ملايين الأسر المصرية الأمل على البرلمان الراهن لإنجاز مشروع مصري يليق بمصر الحديثة فلا يجوز أن تحتكم العلاقة الأسرية إلى أربعة قوانين تنظم قضايا الزواج والطلاق والخلع والنفقة والحضانة والإرث والوصية للمسلمين خرجت جميعها من رحم القانون الأم الذي مر عليه عقد من الزمان وهو القانون «25 لسنة 1920».
على أعضاء البرلمان نساء ورجالا ولجنته التشريعية أن تتقدم بجرأة للاعتراف بالزمن الراهن ببلوغ مصر زمن الدولة الحديثة التي تخطت العشائرية والعائلة وانتقلت إلى بناء المواطنة، وفي بناء دولة المواطنة يكون الاعتداد بالحفاظ على حقوق الأفراد أولا من أجل إقامة مؤسسات فاعلة، فمؤسسة الأسرة القائمة على انتقاص حق طرف فيها لن تُقيم يوما دولة مواطنة ولن تتساوى فيها الأعناق وسيظل التمييز مستشريا وقائما جالبا معه العديد من الأمراض الأخرى وعلى رأسها الفساد. نعم يجلب التمييز الفساد، فكلاهما من يقتنع بأفضليته ومن يظن في نفسه الدونية بحاجة للفساد، الأول للإبقاء على موقعه الأعلى والثاني لنيل بعض من حقوقه عبر تمريرات غير مباشرة متجنبا المواجهة مع طرف جمع بين يديه القناعة بالقوة والتشريعات والأعراف التي تسانده وتعزز قوته. هذا الخلل الفادح في ميزان القوى لن يصنع دولة مواطنة، وعلى فريق التشريع القوى أن يعمل على نص قانون يعمق من مواطنة كل أبناء وبنات الوطن ويدعم أمانهم الشخصي والعام ويسمح ببناء مؤسسة أسرية قائمة على علاقة عادلة أسس لها الدستور بنصه في المادة 53 «المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الاجتماعي، أو الانتماء السياسي أو الجغرافي، أو لأي سبب آخر. التمييز والحض على الكراهية جريمة، يعاقب عليها القانون».
الشروق
***
يتضمن القانون عشرات الثغرات التي تقوض حقوق أحد الطرفين، فنفقة المطلقة تحدد عبر إثبات الدخل الشهري للرجل، ووفقا لرئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الحكومي فمنشآت الاقتصاد غير الرسمي تمثل 53 بالمائة من إجمالي المنشآت الاقتصادية في البلاد، ويعمل بها ما يعادل 29.3 بالمائة من إجمالي العاملين في المنشآت الاقتصادية. الأمر الذي يعنى استحالة إثبات حجم الدخل الحقيقي للزوج، فتضيع معه حقوق الزوجة والأبناء في الحصول على نفقة عادلة.
وطبقًا لقانون الأحوال الشخصية، فإن للرجل وحده الحق في الطلاق ما لم تشترط المرأة في عقد الزواج سبيلا آخر للتطليق، وهو أمر تقيده التقاليد الذكورية والأعراف المجتمعية وتحجب عن النساء استخدامه، فضلا عن ذلك يسمح القانون للرجل بإنهاء علاقة الزواج عبر طلاق شفهي دون الحاجة لأية إجراءات رسمية وعليه هو أن يوثق الطلاق ولا يُساءل بأي شكل من الأشكال إن تقاعس عن توثيقه، وهو الأمر الذي يتعمده بعض الأزواج للتمادي في إهانة زوجاتهم ليصير عبء إثبات الطلاق الشفهي على الزوجة! من ناحية أخرى مازال الطلاق الغيابي مقننا في ظل قانون الأحوال الشخصية الراهن، ومازال تعدد الزوجات أمرا سهل الوقوع وجحيما تتوقعه كل زوجة وعليها أيضا وفقا للقانون أن تثبت الضرر وتقنع القاضي بحجم الأذى الذي مسّها جراء زواج زوجها بأخرى!
وتواجه الزوجة التي تريد الطلاق في مصر خيارين، أولهما طلب التطليق لعيب أو ضرر، والثاني مخالعة الزوج بسبب بُغْض الحياة معه، بالتنازل عن جميع حقوقها المالية الشرعية (الخلع). وتختلف المرأة عن الرجل في أنها لا تستطيع الحصول على الطلاق إلا بحكم من المحكمة، وهو ما يسمى بالتطليق (أو التفريق).
تظل مشكلة الحصول على النفقة الشرعية أكثر المشكلات التي تعاني منها المرأة بسبب طول الإجراءات وتكدس الدعاوى والعجز عن تنفيذ الأحكام، وتحتل دعاوى النفقة المرتبة الأولى من دعاوى الأحوال الشخصية من واقع إحصاءات وزارة العدل، وقد أشار المجلس القومي للمرأة، إلى أن مشكلة مسكن الزوجية سواء أثناء فترة الحضانة أو بعد انتهائها تأتى في المرتبة الثانية، بين شكاوى المطلقات ودعاويهن ببطء إجراءات التقاضي.
هذا وتعاني الأسر المصرية التي تصارع لنيل فض عادل للعلاقة الزوجية من المساحات الرمادية بين النصوص التشريعية والتي يوظفها البعض للتحايل أو حجب حق الأطفال في رؤية الطرف غير الحاضن، يقع أيضا سن الحضانة ضمن النصوص الموجعة التي يعالجها نص قانوني، بينما هي أمر تقديري بحت يختلف اختلافا بينًا من حالة لأخرى ليقع عبء الحسم على القاضي الذي عليه أن يدرس يوميا مئات القضايا.
***
في هذا الإطار شهد البرلمان السابق جهودا حثيثة لإصدار تشريع حديث يحمي جميع أفراد الأسرة المصرية ويعتمد بنود الدستور المصري أساسا له. فقد قدمت ستة مشروعات قوانين تتعلق بالأحوال الشخصية من بينها مشروع قانون مُقدم من المجلس القومي للمرأة، فضلا عن أربعة مشروعات أخرى قُدمت من عدد من النواب لتعديل القوانين المعمول بها. وتعقد ملايين الأسر المصرية الأمل على البرلمان الراهن لإنجاز مشروع مصري يليق بمصر الحديثة فلا يجوز أن تحتكم العلاقة الأسرية إلى أربعة قوانين تنظم قضايا الزواج والطلاق والخلع والنفقة والحضانة والإرث والوصية للمسلمين خرجت جميعها من رحم القانون الأم الذي مر عليه عقد من الزمان وهو القانون «25 لسنة 1920».
على أعضاء البرلمان نساء ورجالا ولجنته التشريعية أن تتقدم بجرأة للاعتراف بالزمن الراهن ببلوغ مصر زمن الدولة الحديثة التي تخطت العشائرية والعائلة وانتقلت إلى بناء المواطنة، وفي بناء دولة المواطنة يكون الاعتداد بالحفاظ على حقوق الأفراد أولا من أجل إقامة مؤسسات فاعلة، فمؤسسة الأسرة القائمة على انتقاص حق طرف فيها لن تُقيم يوما دولة مواطنة ولن تتساوى فيها الأعناق وسيظل التمييز مستشريا وقائما جالبا معه العديد من الأمراض الأخرى وعلى رأسها الفساد. نعم يجلب التمييز الفساد، فكلاهما من يقتنع بأفضليته ومن يظن في نفسه الدونية بحاجة للفساد، الأول للإبقاء على موقعه الأعلى والثاني لنيل بعض من حقوقه عبر تمريرات غير مباشرة متجنبا المواجهة مع طرف جمع بين يديه القناعة بالقوة والتشريعات والأعراف التي تسانده وتعزز قوته. هذا الخلل الفادح في ميزان القوى لن يصنع دولة مواطنة، وعلى فريق التشريع القوى أن يعمل على نص قانون يعمق من مواطنة كل أبناء وبنات الوطن ويدعم أمانهم الشخصي والعام ويسمح ببناء مؤسسة أسرية قائمة على علاقة عادلة أسس لها الدستور بنصه في المادة 53 «المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الاجتماعي، أو الانتماء السياسي أو الجغرافي، أو لأي سبب آخر. التمييز والحض على الكراهية جريمة، يعاقب عليها القانون».
الشروق