بقلم نهى الملافخ: الدبلوماسية العلمية والتقنية بين إدارة ترمب والسعودية
ترقب العالم حملات الانتخابات الأمريكية، والتي تعد الأغلى على مستوى العالم، لما لها من أثر في العلاقات الدولية بالملفات المشتركة. انتهت الانتخابات بفوز ترمب، الذي تحمل عودته إلى البيت الأبيض فرصة لإعادة تشكيل العلاقات بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، خاصة في الدبلوماسية العلمية ومجالات التقنيات الحديثة والمتطورة. حيث شهدت فترة رئاسته السابقة تعاونًا اقتصاديًا قويًا مع المملكة العربية السعودية. لكن سياساته اتجاه العلوم والطاقة النظيفة قد تثير تساؤلات حول كيفية دعم العلاقة بما يخدم الأهداف المشتركة بين البلدين. ففي الفترة السابقة من إدارته كانت الأولوية للنمو الاقتصادي التنافسي الأمريكي وما يدعمه من تجارة وصفقات للأسلحة والنفط، وحد الهجرات إلى أمريكا، وهو نهج لا يختلف عما قدمه في حملته الانتخابية الحديثة.
وباسترجاع النظر حيال علاقة ترمب بالعلوم، نجد أن نهجه ينأى بشكل كبير عن بناء السياسات والتصريحات على أسس علمية مقارنة برؤساء أمريكا الآخرين، مثل أوباما وبايدن، الذين ركزوا على اتخاذ القرارات بناءً على الإثباتات العلمية عبر الوكالات الفيدرالية. فترمب عُرف بتحييد العلوم في اتخاذ القرارات، حيث لم يُعين ترمب مستشارًا علميًا في فترة ولايته السابقة إلا بعد مرور عامين. كما شهد مكتب البيت الأبيض لسياسة العلوم والتقنيات آنذاك تقليصا في عدد الموظفين. ما أدى إلى تقليل عدد العلماء في الأدوار الاستشارية، وحد من مساهمة العلم في صنع السياسات والقرارات. نتيجة لذلك، اُشتهر الرئيس الأمريكي بعدد من التصريحات المغالطة للعلم وبراهينه، كتصريحاته حول كوفيد وايبولا وقضايا أخرى. كما شهدت ولايته توترات عدة بين التوصيات العلمية والتوجهات السياسية، أسفرت عن تفاقم جائحة كورونا وعلى إثر ذلك تعرضت إدارته إلى انتقادات كثيرة.
وخلاف ذلك، تولي قيادة المملكة العربية السعودية أهمية لصحة الإنسان وتطوير التقنيات الحيوية، من خلال الإستراتيجيات الوطنية للتقنيات الحيوية والبحث والتطوير وتوطين التقنيات وإدارة ملفات الصحة العامة. وقد يخلق هذا التوجه المغاير بين البلدين تحديا في تفعيل هذه الملفات على المستوى الحكومي. علاوة على ذلك، غياب الأولوية للاستثمار في البحث العلمي طويل الأمد تحت إدارة ترمب وتقليص تمويل الوكالات العلمية الكبرى كوكالة حماية البيئة والمؤسسة الوطنية للعلوم قد يحد من فرص التعاون المستدام في العلوم الحيوية والبيئية للمشروعات طويلة الأمد، والتي تسعى السعودية إلى تعزيزها كجزء من رؤية 2030 والعقود التي تليها. فسياسات ترمب تجاه المناخ والطاقة كانت مثار جدل عالمي؛ حيث انسحب من اتفاقية باريس للمناخ وركز على زيادة إنتاج النفط والغاز المحليين، وهو ما قد يكون إيجابيًا على المدى القصير للسعودية كدولة تعتمد على تصدير النفط. ولكن، قد يعيق التعاون في مشروعات الاستدامة التي تسعى المملكة لتطويرها، مثل الاستثمار في الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر. ولا يغيب عنا أن رؤية السعودية 2030 تهدف إلى تنويع مصادر الطاقة وتقليل الاعتماد على الكربون، مما يجعل الحاجة إلى الشراكات التقنية ضرورة ملحة.
إضافة إلى ذلك، فرضت إدارة ترمب قيودًا على العلماء الفيدراليين ومنعتهم من التحدث علنًا عن بعض القضايا البيئية والصحية، مما أثار مخاوف بشأن الشفافية المطلوبة لصنع القرارات. وبالنسبة للسعودية، التي تواجه تحديات بيئية ملحة مثل التصحر وارتفاع درجات الحرارة، فإن أي تراجع أمريكي في هذا المجال قد يضعف الجهود المشتركة لمعالجة هذه القضايا. كما نجد أن المملكة العربية السعودية تركز على التقنيات في مجالات رئيسة مثل الدفاع والذكاء الاصطناعي. بالمقابل نرى أن في فترة ولاية ترمب الأولى، ركز على تعزيز دور القطاع الخاص في الابتكار التقني، ما أدى إلى دفع شركات أمريكية للعمل مع حلفاء مثل السعودية بشراكات جمعت الحكومة والقطاعات الخاصة. من ناحية أخرى، سياساته المتعلقة بتقليص تمويل الأبحاث الفيدرالية والحد من الهجرة أثرت على التعاون العلمي الدولي، حيث تشكل القيود على تصاريح الدخول والهجرة عقبة أمام الجامعات والمراكز البحثية السعودية التي تعتمد على المواهب الدولية في تطوير برامجها.
وفي مجمل القول، توجد فرص استثمارية وتعاونية بين البلدين في مجالات معينة، ولكن تظل سياسات ترمب أحادية الجانب، والتي تركز على المصالح الوطنية، واحتمالية غياب التزام الجانب الأمريكي تمثل تحديًا أمام تحقيق التعاون الدولي المستدام في بعض القضايا، والذي بدوره قد يعيق تحقيق أهداف التنمية المستدامة. ولتحقيق التوازن، تحتاج المملكة إلى تعزيز تنوع شراكاتها العلمية والاستثمارية في البحث المحلي، مع التركيز على التعاون مع دول أكثر التزامًا حيال المشروعات التي تخدم الداخل السعودي، وتدعم مشروعات الطاقة النظيفة والتقنيات المتقدمة.
نقلا عن الوطن السعودية