بقلم ايهاب كاسب :بين قلق الخبراء وحيرة الطلاب: هل تقودنا ثورة الذكاء الاصطناعي إلى "نهاية" العلاقات العامة أم ولادتها الجديدة؟
لم يعد الأمر مجرد "تحديث تقني" عابر، ولا موجة جديدة يسهل ترويضها لنتجاوزها ثم نمضي؛ ما نشعر به اليوم في عمق صناعة العلاقات العامة هو "زلزال" يضرب القواعد التي استقرت لسنوات.
إنه هاجس صامت يسيطر على الكواليس.. قلق مبرر لا يقتصر فقط على الخبراء والممارسين، بل يمتد بظلاله الثقيلة إلى قاعات المحاضرات الجامعية، حيث يجلس الآلاف من طلاب ودارسي العلاقات العامة.
نحن، ممارسي المهنة، نسأل أنفسنا: ماذا تبقى لنا عندما تقوم الخوارزميات في ثوانٍ بصياغة استراتيجيات وإدارة أزمات كانت تتطلب منا أياماً من السهر؟
وفي المقابل، ينظر أبناؤنا الطلاب إلى مقرراتهم الدراسية وإلى سوق العمل المتوحش، وتملؤهم حيرة مشروعة: "هل ما ندرسه اليوم سيصبح تاريخاً قديماً لحظة تخرجنا غداً؟ وهل ستكون شهاداتنا الجامعية كافية للمنافسة أمام خوارزميات لا تنام ولا تمل؟".
هذه الفجوة المرعبة بين سرعة تطور الآلة، وبين جمود أدواتنا ومناهجنا، تضعنا جميعاً أمام مسؤولية تاريخية. نحن لا نواجه مجرد تغيير في "الأدوات"، بل نواجه تغييراً في "هوية" المهنة ذاتها. سطوري هذه ليست دعوة للتشاؤم، ولكنها "صرخة وعي".
من منطلق المسؤولية المهنية والأخلاقية تجاه صناعتنا وتجاه الأجيال الجديدة التي نعدها للمستقبل، أوجه هذه الدعوة المفتوحة: إلى أساتذتنا الأجلاء في الجامعات، وإلى رواد وخبراء المهنة، وإلى طلابنا النبهاء الذين يحملون شعلة المستقبل.
نحن بحاجة لأن نجتمع حول طاولة واحدة، لنتباحث بشفافية مطلقة حول "مصير المهنة". كيف نطور مناهجنا؟ وكيف نحمي خبراتنا البشرية من التآكل؟ وكيف نؤهل الطلاب ليكونوا قادة لهذه التكنولوجيا لا ضحايا لها؟
أدعوكم لندوة نقاشية عاجلة (تستضيفها إحدى الجامعات أو نعقدها افتراضيًا)، نحاول فيها سوياً رسم خارطة طريق تحول هذا "القلق المشترك" إلى خطة عمل حقيقية تضمن نمو وتطور صناعة العلاقات العامة. المستقبل لن ينتظرنا حين نتردد، وعلينا العمل فوراً للاستعداد والمواكبة واللحاق بهذا القطار السريع الذي يضعنا جميعاً في تحدٍ كبير أمام أنفسنا ووظائفنا ومسؤولياتنا.
السؤال الآن: هل سنستطيع ترويض التكنولوجيا لخدمة العلاقات العامة؟ أم أن الـ AI سيقضي على وظائفنا؟!
جميعنا نعلم الفرص التي أتاحتها لنا تقنية الذكاء الاصطناعي، لكن من الضروري أن نستطيع سد فجوة النمو واستثمار هذه الفرص حتى لا نكون ضحايا لها، وتتحول من فرص إلى خطر حقيقي يهدد مستقبل آلاف الوظائف، مثلما فعلت خلال السنوات الماضية حين مسحت من التاريخ عشرات المهن واستحدثت أخرى.
سيبقى سؤالنا الأخير.. وفرصتنا الأخيرة: كيف نستطيع المواجهة؟ وهل هي مواجهة تصادمية أم فرصة تكاملية بين الإنسان والآلة؟!
إيهاب كاسب خبير ومدرب العلاقات العامة