الثلاثاء 07 أكتوبر 2025
رئيس مجلس الأدارة
خالد جودة
رئيس التحرير
هند أبو ضيف
هير نيوز هير نيوز
رئيس مجلس الأدارة
خالد جودة
رئيس التحرير
هند أبو ضيف

بقلم ميسون الدخيل: حرية التعبير تحت مشرط الرقابة

هير نيوز

في السنوات الأخيرة، واجه مشهد حرية التعبير تحديات متزايدة، حتى في الولايات المتحدة، الدولة التي لطالما اعتبرت حصنًا لهذا الحق الأساسي. وبينما يضمن التعديل الأول لدستور الولايات المتحدة حرية التعبير، تشير التطورات المعاصرة إلى تحول مقلق نحو الرقابة وقمع الأصوات المعارضة.

تاريخيًا، افتخرت الولايات المتحدة بالتزامها بحرية التعبير، معتبرةً إياها جوهر الديمقراطية. إلا أن الحوادث الأخيرة تشير إلى اتجاه متزايد نحو الرقابة المشددة، حيث نجد أنه مؤخرًا واجه الكوميديون ومقدمو البرامج الصوتية (البودكاست)، الذين ينظر إليهم تقليديًا على أنهم رواد حرية التعبير، تدقيقًا وردود فعل عنيفة غير مسبوقة؛ على سبيل المثال، واجه الكوميدي «ديف شابيل» جدلاً واسعاً بسبب عروضه الكوميدية الارتجالية، التي يزعم بعض النقاد أنها ترسخ الصور النمطية الضارة، لا سيما في ما يتعلق بالهوية الجنسية! هذا إضافة إلى موقفه المعادي لإسرائيل، ورغم تأكيد «شابيل» على ممارسته حقه في التعبير بحرية، فإن ردود الفعل السلبية التي تلقاها تبرز تنامي عدم التسامح تجاه أشكال التعبير، لا سيما تلك التي تتحدى السرديات الثقافية السائدة أو السردية الصهيونية.

ويجسد مقدمو البودكاست أمثال «تاكر كارلسون» و«كانديس أوينز» هذه الظاهرة أيضاً، فقد واجه «كارلسون»، المقدم السابق في قناة «فوكس نيوز»، انتقادات شديدة لآرائه حول مواضيع مختلفة، وكثيراً ما يثير محتواه غضباً، مما أدى إلى دعوات للرقابة من قبَل جماعات مختلفة، بخاصة تلك التي تدعم الصهيونية. وبالمثل، حظيت «كانديس أوينز»، المعروفة بمواقفها الاستفزازية بشأن سياسات العرق والهوية ومؤخرًا بعدائها للصهيونية وإسرائيل، بالاحتفاء والإدانة على حد سواء لآرائها الصريحة، ويكشف رد الفعل السلبي ضد هذه الشخصيات عن استهداف واضح للأصوات المعارضة في وسائل الإعلام وبشكل متزايد بهدف القمع.

يتجاوز قمع حرية التعبير الشخصيات العامة إلى الأفراد العاديين الذين يعبرون عن آراء مخالفة، حيث أصبحت حملات الإيذاء والمضايقة عبر الإنترنت أداة شائعة لإسكات أصحاب الآراء المعارضة؛ شهدت منصات التواصل الاجتماعي حالات تم فيها الإبلاغ عن أفراد بسبب آرائهم، مما أدى إلى هجمات منسقة تهدف إلى تشويه سمعتهم، شمل التشهير نشر المعلومات الشخصية عبر الإنترنت للتحريض على المضايقة، كما شنت حملات لطرد الأفراد من وظائفهم وتدمير أعمالهم، علاوة على ذلك، يتم أحيانًا تجميع قوائم الأفراد ذوي الآراء المعارضة ونشرها عبر الإنترنت، مما يجعلهم فعليا أهدافًا للمضايقات؛ يعكس كل ذلك الممارسات التي شوهدت في الأنظمة الفاشية، حيث لا يعاقب المعارضون فحسب، بل يتم إذلالهم علنًا أيضًا.

كما يتجاوز التأثير المخيف لهذه الأساليب الأفراد المستهدفين مباشرة، فالخوف من الإلغاء أو الهجوم للتعبير عن رأي غير مرغوب فيه هيأ بيئة انتشرت فيها الرقابة الذاتية؛ بينما تردد كثيرون في مشاركة أفكارهم، استجاب آخرون- وبخاصة أولئك الذين يتمسكون بآرائهم عن قناعة - بإصرار أكبر، وبدلًا من التراجع أصبح بعض الأفراد أكثر صراحة وأحيانًا أكثر عدوانية في دفاعهم، مما أدى إلى تصاعد واضح في التوترات، الذي بدوره أدى إلى أن يكون الحوار المفتوح أكثر صعوبةً وتعقيدًا.

ويضيف تدخل جهات أجنبية في تشكيل الخطاب السياسي داخل الولايات المتحدة بعدًا آخر إلى هذا النقاش؛ فقد ظهرت تقارير تفيد بتمويل قادة أجانب، يزعم أنهم يمولون مؤثرين وشخصيات إعلامية للترويج لوجهات نظر محددة تتوافق مع أجنداتهم السياسية، ومن الأمثلة البارزة مؤخرًا اجتماع نتنياهو مع مؤثرين أمريكيين للسيطرة على الخطاب السياسي المحيط بسياسات إسرائيل وأفعالها، ومثل هذه الاجتماعات أثارت المخاوف لدى كثيرين خصوصًا ضمن شريحة المواطن الأمريكي العادي، بشأن مصداقية الخطاب العام ومدى قدرة المصالح الأجنبية على التلاعب بالخطاب السياسي في الولايات المتحدة.

علاوة على ذلك، أثار بيع «تيك توك» ضجة كبيرة لأن الواضح من أجندات وانتماءات الملاك الجدد أنه سوف يؤدي إلى قمع الأصوات المعارضة بخاصة تلك التي تتحدث عن تعديات إسرائيل والإبادة؛ حيث يجادل النقاد بأن تغييرات الملكية يمكن أن تتيح زيادة تعديل المحتوى بهدف خنق المعارضة للروايات التي يدعمها أصحاب السلطة، ويكشف هذا عن الآثار الأوسع لكيفية استخدام منصات التواصل الاجتماعي كأدوات للسيطرة على الرأي العام، مما يردد صدى تكتيكات الأنظمة الاستبدادية.

ورأينا مؤخرًا كيف أن المليارديرات المرتبطين بمصالح صهيونية قاموا بالاستحواذ على حصص كبيرة في منصات التواصل الاجتماعي الكبرى وشركات الإعلام، وأثار أيضًا هذا التحرك مخاوف بشأن الملكية وإمكانية السيطرة الاحتكارية على المعلومات؛ إذا مارس عدد قليل من الأفراد سلطة غير متناسبة على المحتوى الذي يتم نشره، فقد تكون الآثار المترتبة على حرية التعبير عميقة، ويكمن الخطر في أن الأصوات المعارضة، وبخاصة تلك التي تنتقد المصالح المؤيدة لقوة خارجية مثل الصهيونية، قد يتم إسكاتها بشكل منهجي.

منصات التواصل الاجتماعي، التي كانت تعد في السابق من رواد حرية التعبير، تخضع الآن للتدقيق لدورها في كبح جماح حرية التعبير: تدعي شركات مثل «فيسبوك وX ويوتيوب» إلى أنها طبقت سياسات تهدف إلى مكافحة التضليل وخطاب الكراهية إلا أن هذه الإجراءات ليست سوى تكتيكات لقمع الخطاب الذي يتعارض مع سياسات أسيادهم، وغالبًا ما تفضل الخوارزميات التي تنظم ظهور المحتوى الروايات المدعومة، مهمشةً الآراء المعارضة، وهذا التوجه نحو حظر منصات الأفراد أو المنظمات التي تعبر عن آراء معارضة، يثير تساؤلات حول هشاشة حرية التعبير في العصر الرقمي، بل أثار فعلًا جدلًا حول من يحدد ما يشكل خطابًا مقبولًا على منصات التواصل الاجتماعي.

أحدثت الحملة المستمرة على حرية التعبير في الولايات المتحدة الأمريكية موجات من التشويش في أرجاء المجتمع الدولي؛ فبينما كانت الولايات المتحدة تاريخيًا هي من وضع معايير القيم الديمقراطية، فإن تآكل حرية التعبير لديها يشجع الأنظمة على فرض قيود مماثلة مثل ما يحدث الآن في بريطانيا وفرنسا وألمانيا، قد تتفاوت درجة القمع، لكن عدد الدول التي تطبق مثل هذه الإجراءات آخذ في الازدياد، ومما يثير القلق أن الولايات المتحدة الأمريكية، وبخاصة حكومتها، قد انضمت الآن إلى صفوف الدول التي كانت ولا تزال تعدها استبدادية مثل روسيا والصين وكوريا الشمالية؛ فغالبًا ما يبدأ هذا بنقد إعلامي واسع، يليه وصف الأفراد والمنشورات بأنهم أعداء الشعب، ثم يؤدي هذا التطور في كثير من الأحيان إلى الاستحواذ على شركات الإعلام.

واليوم، لا يقتصر الأمر على السيطرة على المنافذ الإعلامية التقليدية فحسب؛ بل تعد وسائل التواصل الاجتماعي والتقنيات الناشئة، مثل الذكاء الاصطناعي، محوريةً أيضًا في هذا الجهد، ويبقى الهدف الشامل كما هو: السيطرة على المشهد الإعلامي وفرض تعريف جديد لما يعتبر طبيعيًا أو «منطقيًا»، ومن ثم السعي إلى الهيمنة الثقافية والسياسية.

ترسم البيئة الحالية أوجه تشابه مقلقة مع رواية جورج أورويل «1984» الديستوبية، حيث تسيطر الدولة على الفكر والتعبير؛ إن الأساليب المستخدمة لإسكات الأصوات المعارضة - استهداف الأفراد، وإلغاء المنصات، والتشهير العام - تعكس الآليات القمعية الموصوفة في عمل أورويل، وبينما يواجه المجتمع الأمريكي هذه التحديات، يطرح السؤال التالي: إذا كانت الولايات المتحدة قد دافعت تاريخيًا عن حقوق حرية التعبير - نظريًا على الأقل - فماذا يعني ذلك للديمقراطيات الأخرى إذا أصبح هذا الالتزام الآن موضع تساؤل؟

نقلا عن الوطن السعودية

تم نسخ الرابط