بقلم نهى الملافخ: ترمب يضغط عالميا والسعودية تتحرك محليا

بقلم نهى الملافخ: ترمب يضغط عالميا والسعودية تتحرك محليا.. كثيراً ما شكلت أسعار الأدوية أحد أكبر التحديات التي تواجه النظم الصحية حول العالم، ومع تزايد الضغوط الاقتصادية على المرضى والحكومات، باتت سياسات تسعير الدواء محط أنظار الجميع. وفي مايو 2025 أعاد الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترمب إطلاق مبادرة جريئة -قبيل زيارته السعودية- تهدف إلى خفض أسعار الأدوية بشكل جذري داخل الولايات المتحدة، من خلال سياسة «الأمة الأكثر تفضيلاً» (Most Favored Nation Pricing).
بقلم نهى الملافخ: ترمب يضغط عالميا والسعودية تتحرك محليا.. تقضي هذه السياسة بربط أسعار الأدوية في السوق الأمريكي بأقل سعر مدفوع لنفس الدواء في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD).
بقلم نهى الملافخ: ترمب يضغط عالميا والسعودية تتحرك محليا.. التي تتمتع بمستوى دخل مشابه للولايات المتحدة. وهي خطوة تهدف إلى كسر هيمنة شركات الأدوية الكبرى على تسعير منتجاتها بشكل غير متوازن بين الأسواق، حيث غالباً ما تباع الأدوية في أمريكا بأسعار أعلى بكثير من مثيلاتها في أوروبا أو كندا.
بقلم نهى الملافخ: ترمب يضغط عالميا والسعودية تتحرك محليا.. تجدر الإشارة إلى أن ترمب كان قد طرح هذه الفكرة للمرة الأولى خلال ولايته السابقة عام 2020، غير أن المحاكم الفيدرالية أوقفت تنفيذها حينها بسبب مشكلات إجرائية. واليوم، ومع عودته إلى البيت الأبيض، يسعى ترمب لتنفيذ هذه المبادرة بشكل رسمي وواسع النطاق.
لكن ما علاقة ذلك بالسعودية؟
بقلم نهى الملافخ: ترمب يضغط عالميا والسعودية تتحرك محليا.. تأثير مثل هذه المبادرات لا يقتصر على السوق الأمريكية فحسب، بل يمكن أن يمتد عالمياً، ويشمل دولاً مثل المملكة العربية السعودية. فشركات الأدوية العالمية قد تعيد النظر في استراتيجيات التسعير الخاصة بها، محاولة توحيد الأسعار عالمياً لتفادي التأثيرات السلبية على أرباحها. هذا قد يعني، من جهة، ضغوطاً على الدول ذات الأسعار المنخفضة لرفع تسعيراتها، ومن جهة أخرى فرصة لإعادة التوازن في سوق الدواء العالمي.
بقلم نهى الملافخ: ترمب يضغط عالميا والسعودية تتحرك محليا.. وفي هذا السياق، تقف السعودية في وضع استراتيجي يتيح لها الاستفادة من هذه التحولات إن أديرت بحكمة. وتلعب الهيئة العامة للغذاء والدواء (SFDA) دوراً محورياً في تنظيم أسعار الأدوية داخل المملكة، من خلال نظام تسعير مرجعي دولي، يقارن أسعار الأدوية المسجلة مع ما هو معتمد في أكثر من 30 دولة مرجعية.
وتفرض الهيئة على الشركات الالتزام بتحديث بيانات أسعارها، كما توفر تطبيق «طمني» الذي يتيح للمستهلكين معرفة السعر الحقيقي للأدوية ومقارنته بالسوق، مما يعزز الشفافية ويمنع المغالاة في التسعير.
علاوة على ذلك، تدفع السعودية بقوة نحو تعزيز الصناعات الدوائية المحلية، بخاصة في مجال الأدوية الجنسية، إذ تشير التقديرات إلى أن هذا القطاع سيشكل نحو 43 % من سوق الدواء المحلي بحلول عام 2028، مع معدل نمو سنوي يتجاوز 7 %. هذه السياسة لا تسهم فقط في خفض الكلف على المدى الطويل، بل تقلل أيضاً من الاعتماد على الموردين الأجانب، مما يزيد من استقرار السوق المحلي في وجه التغيرات العالمية.
وفي حال أدت سياسات مثل مبادرة ترمب إلى تقليص الفجوة بين الأسعار العالمية، فإن السعودية قد تجد نفسها في موقع قوة تفاوضية أكبر، خصوصاً إذا ما استمرت في تحسين آليات التسعير وتعزيز الابتكار والتصنيع المحلي.
تجارب الدول الكبرى في مجال تنظيم أسعار الأدوية، مهما بدت بعيدة جغرافياً، لها تأثيرات مباشرة أو غير مباشرة على سوق الدواء في المملكة. ومع تزايد العولمة والربط بين الأسواق، أصبحت السياسات الدوائية أكثر تداخلاً وتشابكاً. لذلك، فإن المبادرات المحلية مثل تلك التي تقودها الهيئة العامة للغذاء والدواء، تشكل خط الدفاع الأول لضمان حصول المواطن على دواء فعال وآمن وبسعر مناسب، من دون المساس بجودة الرعاية الصحية أو دعم الابتكار الدوائي.
ويمكن القول إن السعودية، إذا ما استثمرت بذكاء وحكمة في قدراتها التصنيعية والتنظيمية، ستكون قادرة ليس فقط على مقاومة أي آثار سلبية محتملة من مبادرة ترمب، بل على تحويل هذه التحولات العالمية إلى فرص إستراتيجية لتعزيز أمنها الدوائي واستقلالية قطاعها الصحي.
ويبقى التعاون الدولي ومراقبة التحولات في سياسات الدول الكبرى أمراً حيوياً لكل دولة تسعى إلى تحقيق استدامة صحية واقتصادية، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية التي تخطو بثبات نحو مستقبل صحي واعد ضمن رؤية 2030.
لذا فإن السؤال الحقيقي لم يعد فقط عن أثر سياسة ترمب على الأسعار، بل عن مدى استعداد السعودية لصياغة مستقبل دوائها بيدها، في عالم تتغير فيه قواعد اللعبة دولياً وبصورة غير مسبوق.