«جويس باندا».. تملك سجلًا حافلًا بالنضال لأجل المرأة
الأحد 07/فبراير/2021 - 07:33 ص
رضا يوسف
اكتسبت شهرتها ومسيراتها عن جدارة، ووصفتها مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد بـ المرأة الشجاعة، صاحبة العزيمة والقدرة الفائقة على الاستنهاض، إضافة إلى دعمها حقوق النساء بما يتخطى حدود بلادها، وأكدت قدرة المرأة في إثبات ريادتها ونجاحها في العديد من المجالات في الوقت الراهن، خاصة الأفريقية ودورها في القيادة والصمود أمام التحديات"، لتصبح إحدى شهيرات القارة الأفريقية.. إنها جويس باندا، أول سيدة تتولى منصب رئاسة مالاوي، وثاني امرأة تتولى رئاسة بلد أفريقي.
"جويس هيلدا باندا"، ناشِطة، ودبلوماسية، ومحامية، رئيسة مالاوي، ولدت فى 12 أبريل عام 1950، فى قرية ماليميا بمقاطعة زومبا جنوبي مالاوي، وكان والدها عازفًا في جوقة الشرطة، وحصلت على درجة البكالوريوس في تعليم الأطفال المبكر من جامعة كولومبوس، ودبلوم في الإدارة من إيطاليا، وعملت سكرتيرة في الماضي.
وعندما بلغت من العمر 25 عامًا، أقامت هي وأطفالها الثلاثة في العاصمة الكينية نيروبي، حيث تأثرت بالحركة النسائية في تلك الفترة، فتخلت عن زوجها الذي كان يضربها، وتزوجت جويس بعد ذلك من ريتشارد باندا، وهو قاض متقاعد ، وكان أول رئيس أسود للمحكمة العليا في البلاد، ثم تنقلت بين جنوب أفريقيا والولايات المتحدة وبريطانيا، بعد نفيها من مالاوي.
بعد الإعلان عن وفاة الرئيس بينجو وا موثاريكا، حاول أنصاره الحيلولة دون تسلم جويس السلطة، إلا أنهم فشلوا، حيث أدت اليمين الدستورية أمام البرلمان في 7 أبريل 2012، خلفًا له، كونها نائبًا للرئيس، وهي أول امرأة تتولى الرئاسة في البلد، وثاني امرأة تتولى رئاسة بلد أفريقي بعد رئيسة ليبيريا إلين جونسون سيرليف، ومعروفة ومشهورة بسبب عملها من أجل حقوق المرأة.
ووصلت باندا إلى سدة الرئاسة بأغلبية ساحقة سبقتها العديد من المناوشات، إثر طرد الرئيس المالاوي الأسبق بينغو وا موثاريكا لها من الحزب الديمقراطي التقدمي، وتأسيسها في العام نفسه، أي 2011 حزب الشعب، وأشارت بعض الأوساط إلى أنه حين تم تعيين باندا في منصب نائب الرئيس، لم يكن بينغو يدرك مدى طموحها، وقد بدأ السجال بينهما على خلفية الطرق غير الفاعلة في إدارة الاقتصاد وأسلوب الحكم الاستبدادي وسحق الحقوق الديمقراطية.
تمثل أول قرارات باندا في تخفيض راتبها الشهري بنسبة 30%، وعرض طائرة الرئاسة للبيع، التي أثار شراؤها بأكثر من13 مليون دولار ضجة وجدلًا واسعًا، فقد خفضت بعدها بريطانيا مساعداتها بثلاثة ملايين جنيه استرليني، علاوةً علي استغنائها عن60 سيارة رئاسية وبيعها، واستأنفت تدفق المعونات من المانحين، وبدأت برنامجًا إصلاحيًا للبلاد.
وكانت عاشقة للمغامرات والتحدى لما تملكه من إرادة حديدية، وتمثلت أكبر مؤامرة ضدها، عندما حاولت توثيق العلاقات مع المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي الذي طالبها بتنفيذ سياسة التقشف، لكن حدث ما لم تحمد عقباه، من خروج مظاهرات كثيرة احتجاجًا على سياسات الصندوق، وعلى الرغم من كل ذلك، فأنها نحجت في الخروج من الأزمة بحكمتها ورزانة عقلها.
انضمت لعدد من الأحزاب السياسية منها، حزب الجبهة الديمقراطية المتحدة خلال الفترة ما قبل 2004، ثم الحزب الديمقراطي التقدمي في الفترة من 2004 – 2010، وكان انضمامها لحزب الشعب هو الأخير منذ عام 2011، وحتى الآن، كما كان لها بصمة في مجال حقوق الإنسان، وحقوق المرأة، وحقوق الإنجاب.
ودخلت إلى العمل السياسي في عام 1999، وذلك بعد فوزها بمقعد في مجلس النواب، وتم تعيينها بعدها وزيرة للمساواة بين الجنسين، وأُعيد انتخابها في انتخابات عام 2004، وفي عام 2006 عينها الرئيس بينجو واموثاريكا وزيرة للخارجية.
وفي عام 2009 اختارها الرئيس موثاريكا للترشح معه عن منصب نائب الرئيس وحققا معًا النجاح، إلا إنها اختلفت معه بعد ذلك وأدى ذلك إلى استبعادها من "الحزب الديمقراطي التقدمي"، فانتقلت بعد ذلك للمعارضة، وعلى الرغم من محاولات الرئيس موثاريكا إقالتها من منصبها عن طريق حصوله على حكم المحكمة العليا، فإنه فشل في ذلك.
ولأنها امرأة شجاعة ولديها عزيمة، عادت الاستطلاعات الأخيرة لتضع جويس باندا رئيسة مالاوي السابقة في صدارة الشخصيات الحائزة على ثقة الشعب، وكانت هذه الاستطلاعات قد تم إجراؤها قبل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والحكومة المحلية التي تم إجراؤها فى مايو 2019، وكانت تلك الاستطلاعات تهدف إلى تقييم البيئة السياسية في مالاوي قبيل 2019، حيث كانت فى أوائل لائحة الموثوقين من الرؤساء.
كما أطلقت برنامجها لتحرير المرأة، في مطلع تسعينيات القرن العشرين ، كما قامت بتأسيس مؤسسة حملت اسمها "من أجل تحرير النساء"، وذلك من خلال تعليم الفتيات، وهي إحدى الدعاة للمساواة بين الرجال والإناث، وكانت أولى المدافعات عن حقوق النساء في بلد محافظ يتسم بالعنصرية ضد المرأة، وشكلت مثالاً بانفصالها عن زوجها الأول واصطحاب أولادها الثلاثة رفضًا للعيش في ظل زوج متعسف، وحضت النساء على الاكتفاء والاستقلال الماليين وعدم التذرع بأن البقاء في كنف زوج مستبد سيجعلهن زوجات صالحات.
وحاولت "باندا" جاهدةً بعد تمكنها من حكم البلاد، القضاء علي الفساد مما أكسبها قلوب وعقول سكان مالاوي، الذين يقدر عددهم بنحو14 مليون نسمة،خاصةً بعد تجميد المساعدات التى كانت تقدم لها وتقدر 500 مليون دولار, وتمثل40% من ميزانية البلاد، باعتبار أن مالاوي دولة تعتمد بشكل أساسي علي المعونات الخارجية، وقد تأرجحت تلك المعونات نتيجة لعلاقات النظام السابق المتوترة مع الجهات المانحة، لكنها نحجت أيضًا فى هذه المهمة الصعبة.
قدمت "باندا"، مثالًا يُحتذي به في الدفاع عن قواعد الديمقراطية، واستطاعت برغم حداثة عهدها بالسلطة وعدم تجاوز مدة حكمها العام الواحد، دخول قائمة مجلة فورين بوليسي الأمريكية لأهم100 شخصية في العالم، واكتسبت احترام أغلب زعماء الدول الفريقية والأوروبية، ونالت لقب المرأة الحديدية التي أصبحت عنوان التغيير للأفضل في القلب الدافئ لإفريقيا.
حصلت "باندا" على عدد من الجوائز والتقديرات منها، حصولها على الدكتوراة الفخرية عام 2013، بالإضافة إلى إدراج اسمها ضمن قائمة الـ "بي بي سي" لأكثر مائة إمرأة ملهمة ومؤثرة عام 2014، ودخلت التاريخ لكونها أول سيدة تتولى منصب رئاسة مالاوي، وثاني امرأة تتولى رئاسة بلد أفريقي بعد رئيسة ليبيريا إلين جونسون سيرليف، وهي أيضاً ثاني امرأة في إفريقيا تملك سجلاً حافلاً بالنضال في مجال حقوق المرأة.