مواعين تهاني.. بنكهة الأماني
الأربعاء 18/نوفمبر/2020 - 10:00 م
شيماء عبدالناصر
في دوَّامة الأماني اليومية تقف تهاني أمام الحوض، تهشِّم ما تَبقَّى من أوساخ فوق الصحون، وتبني بدلًا منها أمنيَّاتها الخاصة على سفح طبق أو على حافة كوب، يتكرر دائمًا نفس الوهم البعيد معها وسط الأمنيَّات، الانتقال إلى شقة أوسع، آه! متى يحدث هذا؟ ستُفرِد لابنها عمر غرفة، ستشتري له سريرًا ودولابًا، ولمياء ابنتها ستشتري لها دبًّا كبيرًا أصفر -إن وجدت هذا اللون- وستعطي المطبخ فرصة للتنفس في مكان أوسع بدلًا من حَشْرة الأشياء بداخله هنا، والحمَّام بالطبع سيكون أوسع.
هل سينفِّذ محمود وعده بأن يستحمَّا معًا في البانيو الواسع ويشاهدا أحد الأفلام وسط الشموع في أثناء ذلك؟ سيكون من السهل إرسال الأولاد عند خالتهم في ذلك اليوم. ليس في حمام هذه الشقة التعيسة بانيو.
السبت القادم فرصة العمر لتناول وجبة غداء شهية جدًّا في بيت جدة الأولاد، هي طيبة لكن إخوة زوجها مزعجون، يتدخلون في كل شيء، إن إخوته مثل هذه الكنكة الصغيرة الضيقة، مملَّة وغبية وطريقة غسلها صعبة، لماذا يجعلون للكنك أحجامًا بهذا الشكل؟ الكنك اختراع سيئ في الأساس.
تقول لمياء إنها خائفة علَيَّ، تراني أحدِّث مَن هم ليسوا أمامي، تسمع مني لفظة، أمي، خالتي، جدتي... يبدو أن هذه عادة في عائلتنا منذ القدم، تتبِّل أمي طبختها بالتفكير، تسرح بعيدًا، تقف عند ذكري جدتي وتقلِّب الأرز، أجدها لا تتحدث في أثناء الطبخ، هي تحدِّث نفسها كما أراها من بعيد، وفي الحقيقة تحدث مَن رحلوا، جدتي، خالتي، وغيرهما. تحدث صديقتها القديمة حينما كانتا تلعبان في البحيرة الصغيرة عاريتين ولا تخافان مرور رجل ما في ذلك الوقت الحارّ، ترتاح الناس وترتاح السمنة في قاع الحلة.. بجَعْبة أمي حكايات عن صديقات لم تعد تعرف عنهن شيئًا، لكن كانت الأيام جميلة، حينما تحكي عنها تكون في غاية الحماسة، ينتشر في صوتها دفء وحرارة، لكن علي نار هادئة، تحفر الأيام تفاصيل جديدة للحكاية، وعليها أن تجدل شعر قصتها الصغيرة وتهتمّ بها حتي تنمو وتكبر، لكني ليست لدي مهارة أمي في غسل المواعين أو جَلْي الأواني، أمي كان لأمنيَّاتها طعم الماضي، ربما ساعدها ذلك على أن تكون طاهية جيِّدة، وجالية مواعين ممتازة، وتجيد أمي حكاية الذكريات، أما أنا فأصنع الحاضر بأمنيَّات، أركِّز أكثر على المستقبل، المواعين تُنَظَّفُ أفضل بذكريات الماضي والحكايات القديمة، أمَّا الأمانيّ فلا تساعد مُطلَقًا في غسل المواعين بشكل جيد.