الجمعة 22 نوفمبر 2024 الموافق 20 جمادى الأولى 1446
رئيس مجلس الإدارة
خالد جودة
رئيس مجلس الاداره
خالد جوده

«اللنبي» | موروث شعبي لرفض الطغيان في بورسعيد

الثلاثاء 09/يناير/2024 - 04:31 م
هير نيوز

في بورسعيد، يتجسد "اللنبي"، وهو دمية شعبية، كصوت يرفع نداء التغيير والعدالة، إنه تراث يعبر عن رمزية قوية في مواجهة الاحتلال البريطاني.

ويتمتع "اللنبي" بشعبية واسعة، حيث يجسد التضامن والصمود، ويوحد الشعب بأكمله حول هذه الشخصية الملهمة التي تمثل رمزًا ينتقل عبر الأجيال.
 

في شوارع بورسعيد، يتنافس الأشخاص في تصنيع أجود دمى "اللنبى"، ويتم حرقها في كرنفال شعبي يعكس روح التحدي والمنافسة بين الأحياء. يكمن الجمال في تلك الليالي المميزة من شم النسيم، حيث يندمج صوت الطبول والألحان مع احتفالات شعبية تستمر حتى شروق الشمس.



اللنبي ورفض الظلم والطغيان

 
ليس هذا الاحتفال مجرد فعالية عابرة، بل هو تقليد عميق يحمل في طياته النضال والتمرّد ضد الظلم والفساد. يقوم الأهالي بصنع الدمى وتقديم مسرحيات شعبية تعرض على هيئة تلك الدمى، التي تجسد شخصيات يرفضها المجتمع أو تعبر عن الفساد والطغيان.
 
وفي موكب مهيب، يحتفل الشعب بحرق "اللنبي"، مع تصاحب ألسنة النار وهتافات الاحتفاء والتصفيق، مؤكدين بذلك رفضهم الصريح للفساد والطغيان، ومعبرين عن قوة الصوت الشعبي وتأكيد الالتزام بالعدالة.
 
وترجع حكاية "اللنبي" إلى فترة ما بعد ثورة 1919 وتحت الاحتلال البريطاني لبورسعيد، نشأت قصة حرق دمية "اللنبي" كتعبير عن رفض الشعب للظلم والوجود البريطاني. اللورد اللنبي، المندوب السامي البريطاني في مصر، "إدموند هنري هاينمان أللنبي"، المعروف بقسوته، ألهم هذه القصة بتصاعد المعاناة والتمرد. هاينمان أللنبي، الفايكونت البريطاني، كان قائدًا في الحرب العالمية الأولى ومندوبًا في مصر.  
 
ويتجسد في ذاكرة الشعب المصري بقسوته ووحشيته في التعامل مع الثوار. تمكن من اعتقال الزعيم الوطني سعد زغلول، محدثًا صدى الظلم البريطاني الذي لا ينسى. وفي لحظة مشحونة بالتوتر، حاول الأهالي في بورسعيد توديع زعيمهم عند نفيه، لكن اللنبي منعهم بقوة السلاح. رغم ذلك، قاد الشيخ يوسف أبو العيلة والقمص ديمتري يوسف مظاهرة جريئة للعبور من الحصار، وشهدت بورسعيد معركة ملحمية مع القوات البريطانية. يتحد البسطاء والشجعان في مواجهة الاحتلال، تجسيدًا لروح المقاومة والتحدي في أرض بورسعيد.
 
أرض المعركة اهتزت بتلاقي الرصاص وصرخات الجرحى، وسط أهازيج الثورة المليئة بالأمل والإصرار. بفداء وشجاعة، قاتل المصريون تحت أعلام الحرية والاستقلال. انفجرت السماء بانفجارات ودخان أسود يعلو أفق المدينة المحاصرة.
 
في هذه اللحظات، تلوّنت الأرض بدماء الأبطال، حيث سقطوا في مواجهة الإنجليز وبوليس القناة. وفي يومها الأليم، زهر الشهداء وسط الصلوات وأصوات الألم. 7 شهداء ومئات المصابين، قدموا أعظم تضحياتهم من أجل حريتهم. الثورة تحدت الظلم والاستبداد، حتى وإن كان الثمن دمًا ينساب كالسيل.
 
كان الجمعة 21 مارس 1919 يومًا تاريخيًا حمل في طياته فترة صراع وتضحية. بعد هذه الأحداث الدامية، شهد "موسم الخماسين" احتجاجات شعبية متصاعدة في مدن القناة. فرضت القوات البريطانية حظر التجول، لكن أهالي القناة رفضوا وتصاعدت المطالب برحيل اللورد اللنبي.


 
وحملت عائلة "خضير البورسعيدي" مسؤولية إحياء موروثها الشعبي، الذي أصبح لافتًا للتراث البورسعيدي. يُجسّد هذا التراث قوة ورفض الشعب للظلم والفساد، ويبرز التميز الفني للفنان محسن خضير واستخدامه لأسلوب "المقاومة البيضاء" بشكل فني وسلمي.
 
تظهر فاعلية هذا الموروث سنويًا في كرنفال خاص بحي العرب، حيث يُقام سرادق كبير ليكون منبرًا لدعم حرية التعبير الفني والتوعية. رؤية "خضير" تتناول قضايا اجتماعية متنوعة تشمل الدروس الخصوصية وأزمة تلوث المياه، مع التركيز على التوعية والتنوير.
 
رغم منع كرنفال اللمبى في بعض الأحيان، فإن الشغف والإبداع يتجسدان في تطوير فكرة المسرح بالدمى، الذي يقدم عروضًا تعكس تنوع وغنى المجتمع البورسعيدي. محسن خضير يُؤكد أن "اللمبى" أصبح جزءًا من التزام عائلته بإحياء هذا التراث، مشاركًا في نحت المجسمات مع مساعديه ومُبرزًا التنوع في تصوير واقع المجتمع.

ads