بقلم ملحة عبدالله: خيال يفوق الخيال
جبل قارة بتاريخه الفذ العريق لم يخْفِه ما يحف به من تقدم حضاري ومن تطور لافت مهيب للمدينة نفسها بكل ما تكتنفه كلمة تطور وتحديث، بل وقف شامخاً معانداً يفرض نفسه شاهداً على التاريخ ليحكي لنا كل يوم العديد من الحكايات والأساطير والمعتقدات الشعبية التي وإن بدت لأشغلت علماء الأنثروبولوجيا في جميع أنحاء العالم..
عندما قمت بتأليف موسوعة (الجزيرة العربية الهوية المكان والإنسان)، وتتبعت خطى الأولين والآخرين على هذه الأرض بما حباها الله عز وجل من قيمة حضارية تاريخية جعلتها أيقونة للحضارة العالمية، لم يكن الخيال الذي غذته جل المخطوطات بين أيدينا بهذا الواقع الذي فاق كل الخيال عندما زرت أرض الأحساء بغابات النخيل المعانقة للغيوم الغضة الدافئة وكيف تتسللها أشعة الشمس المشرقة وكيف تترك في النفس نشوة فائقة تعانق هذا المنظر المستل من قمم جبل قارة وكأنه يقتبس اسمه كقارة كاملة بما يكتنفه من أسرار ومن حكايات.
هذا الجبل بتاريخه الفذ العريق لم يخْفِه ما يحف به من تقدم حضاري ومن تطور لافت مهيب للمدينة نفسها بكل ما تكتنفه كلمة تطور وتحديث، بل وقف شامخا معاندا يفرض نفسه شاهدا على التاريخ ليحكي لنا كل يوم العديد من الحكايات ومن الأساطير ومن المعتقدات الشعبية التي وإن بدت لأشغلت علماء الأنثروبولوجيا في جميع أنحاء العالم، لأن الباحثين والمسطرين لعلم الفولكلور الشعبي والتاريخ الحضاري في دوائرهم البحثية المستديمة لاهثين لكل ما يحتويه كل شبر وكل وطأة قدم في أرجاء المعمورة.
ولذلك نحن علماء هذا العلم (الأنثروبولوجي) حريصين على كل حبة رمل في هذه الأرض لعلمنا كلنا بما تحويه من قيمة حضارية وتاريخية تبهر العالم إن سطع نورها من جبل قارة وهو أحد معالم هذا التاريخ في هذا العلم نادر الوجود.
وعندما طالعتنا مدينة الأحساء التاريخية والحضارية بما تحمله من زخم تاريخي، لم يغب عن العين ذلك التطور وتلك البنية المدنية الغنية بكل ما هو حديث وسياحي ومتدفق يشغل أعين السائحين بلا شك، لكن ما هو مسيطر على الأذهان هو هذا الجبل الجاثم بكل ثقل التاريخ في وسط المدينة التي لم تستسلم لعناده بل احتضنته وكأنها تعطيه عهد السلام والوئام فلا توقظ رقاده، أو تقلق نعاسه، وإنما تحيطه بخاصرة حانية تستمد جاذبيتها وزهوها منه وهو مدجج بكهوفه المتشعبة والمتعددة التي أولتها وزارة السياحة جاهدة بقيادة معالي الوزير الأستاذ أحمد بن عقيل الخطيب ومنسوبي وزارته كل الاهتمام بما يليق بمهابته المتوثبة بين زخات المطر حتى أصبح مزارا سياحيا مبهرا في عهد ولي العهد الامير محمد بن سلمان وبحسب رؤية 2030.
فمنذ زمن بعيد، عُرفت كهوفه بأنها كانت ملجأ الهاربين من حر الصيف، يبيتون فيها لبرودتها. وبتشكيلاته الصخرية الفريدة من نوعها وانتصابه بجوار بساتين النخيل والمزارع الخضراء، أصبح قِبلة المصوِّرين الفوتوغرافيين ونبعاً لا ينضب من اللقطات المتنوِّعة. ومؤخراً، حظي هذا الجبل بعملية تطوير تعزِّز مكانته كمعلم سياحي قديم - جديد، ليشدّ إليه مزيداً من الزائرين، ويمنحهم الوقت الكافي لاستطلاع ماضيه وما يكتنزه من حكايات. لم يكن بعيدا عن المدينة كما عهدناه في المزارات السياحية بل هو في قلب المدينة وهذا الأمر زاده أهمية قصوى في انتعاش المدينة نفسها فهي تكتسب منه رونقها ونشاطها الاقتصادي السياحي أيضا، فهو على بعد 12 كيلومتراً عن العاصمة الإدارية للأحساء، الهفوف، فينتصب "جبل قارة"، أو القارة كما اشتهر الاسم في العقود الأخيرة، الذي يردّ الجيولوجيون تشكّله إلى ما قبل 2.5 مليون سنة. ويرتفع عن سطح البحر 210 أمتار، ويبلغ طوله نحو 1000 متر من الشمال إلى الجنوب، و800 متر من الشرق إلى الغرب.
فهو في تكوينه يشبه الشعاب البحرية منصب بصخوره الجيرية وكأنه طفا فوق سطح الأرض من عمق مياه بحر تيثس
الذي كانت تتكون منه الكرة الأرضية في بدايتها، إذا كانت في تكوينها الأول -كما أرخ لها الجيولوجيون- بأنها كانت تتكون من جزئين فقط وهما بحر تيثس وهو الجد الأكبر للبحر الأبيض المتوسط ثم صخرة جندوانا وهي الجزء الجنوبي من الكرة الأرضية ولذلك اكتسب هذا الجبل أهميته التي لا يجب أن يغفلها التاريخ الحضاري على وجه الأرض فهل عانق التاريخ هامة هذا الجبل العريق الذي يتوجب على سياح العالم زيارته ودراسة تكويناته فهو جزء من التكوين الأول لهذه الكرة الأرضية قاطبة لأنه واقع يفوق الخيال.