تنصرت من أجل «لقمة عيش».. من هي الأميرة «سالمة» بنت سعيد؟
السبت 23/يناير/2021 - 06:06 م
إسلام علام
عاشت "سالمة" طفولة بريئة وجميلة في الجزيرة الأجمل والأروع في العالم، إلا أن الأحداث السياسية والاختلافات بين الإخوة في الصراع على كرسي العرش بعد وفاة الأب جعلها تهرب مع تاجر ألماني أحبته وأحبها، وأثناء انتظارها له في مدينة عدن، استغلت أسرة مسيحية إسبانية احتياجها للمأكل والمشرب والمأوى فنصرتها مقابل إيوائها وإطعامها، وبعد سنوات من ذهابها لألمانيا استغلتها الحكومة الألمانية حينما شرعت في بسط نفوذها على الدول الإفريقية لتحقيق أطماعها وتثبيت سيطرتها على جزء من ممتلكات أبيها السطان العماني "سعيد".
كتبت الأميرة العمانية سالمة بنت سعيد، الجزء الأول من مذكراتها بالألمانية بعنوان "يوميات أميرة عربية"، وبإمضاء "إيميلي روث" وهو اسمها الألماني "المكتسب" بعد حصولها على الجنسية الألمانية.
ولدت "سالمة" بجزيرة زنجبار في عام 1844، وتوفيت في عام 1924، أما أباها فهو السلطان سعيد حاكم زنجبار، وهي مدينة عربية أكثر منها أفريقية، زنجبار عاصمة الإمبراطورية العمانية، وأندلس آخر مفقود منذ 1964 جراء محرقة راح ضحيتها 23 ألف مسلم عربي.
وكتبت سالمة "يوميات أميرة عربية" تصف فيه للقارئ الأوربي كيف يكون المجتمع العربي والأفريقي والإسلامي، كما أنها تدافع بقوة من خلاله عن معاملة العرب والمسلمين للنساء محاولة لتغيير النمط التقليدي الذي يقبع في عقل الأوربيين نحو العرب والمسلمين، وهذا لا عجب فيه، كما أنها أحبت فتى ألمانيًا وهربت معه، والحب ليس معضلة ولا مشكل على الإطلاق، فلماذا تعد إذن الأميرة سالمة بنت سعيد صاحبة "الإرث الأدب السالمي" في المكتبات الأوروبية أعجب وأغرب أميرة عربية في التاريخ؟.
تعد حياة الأميرة سالمة بنت سعيد، درسًا سياسيًا وثقافيًا ودينيًا واجتماعيًا، وخاصة بعد ما كشف النقاب عن الجزء الثاني من مذكراتها بعنوان "رسائل إلى الوطن"، وترجم مؤخرًا للعربية عن دار منشوارت الجمل.
كانت "زنجبار" عاصمة الدولة العمانية، منذ أن انتقل إليها السلطان العماني سعيد البوسعيدي لأول مرة عام 1828م ففتن بها مما جعله يوافق على نقل العاصمة من مسقط لزنجبار، وفي عام 1832م تُوجت زنجبار رسميًا كعاصمة لمملكة عمان العربية، فهي منذ القرن الأول الهجري أرضًا مسلمة، أول من سكنها ليس أفارقة، إنما هي قبائل شيراز الفارسية.
توافد على زنجبار التجار العرب اليمنيون والعمانيون في عصر صدر الإسلام، ومن ثم حكمها العرب المسلمون قرابة ألف عام إلى أن ضمت ظلمًا وقسرًا على يد كرومي مع منطقة تنجانيقا بقيادة القسيس نيريري عام 1964م بعد مذبحة راح ضحيتها ثلاثة وعشرين ألف أسير مسلم عربي، أشعل النار فيهم أحياء بين خنادق ما زالت قائمة لليوم، ليتم تكوين ما يعرف اليوم بدولة "تنزانيا"، وهذا الانقلاب المسمى بالثورة زورًا وبهتانًا كان من إحدى الفتن المفتعلة من جانب بريطانيا لخدمة سياستها الخاصة في الساحل الشرقي الأفريقي لإنزال كل أعلام العرب المسلمين، ورفع العلم البريطاني على جميع البلدان والولايات، فالتاريخ دائمًا حزين كان عريقًا أو مهينًا، فلا فرق، فالبكاء لا يعيد الأطلال على كل حال.
أما ما ترويه "سالمة" في مذكراتها أنه نتيجة الصراعات السياسية داخل العائلة السلطانية، فكان للأب "سعيد" من الجواري والإماء خمس وسبعون غير زوجته الشرعية الوحيدة عزة بنت سيف، ولهذا خلف وراءه ستًا وثلاثين ابنًا، من الصعب اتفاق كل هؤلاء وتجمعهم حول سلطان واحد، ولهذا انقسموا للعديد من المجموعات كل لها مؤامرتها، تورطت هي في إحدى تلك المؤامرات والتي أدت بها في النهاية للهلاك، فأحبت فتى ألماني كان يتاجر في زنجبار وسبقته لميناء عدن لتنتظره هناك ليسافروا معًا لألمانيا.
وأثناء إقامتها في عدن تنصرت على يد أسرة إسبانية كانت تقيم معها، ففي ذلك الوقت كان التبشير المسيحي في أفريقيا يعمل بكل جهد، حيث أنه يوفر المال والمسكن والأمان، فالتبشير المسيحي في أفريقيا له من الآثار التي ما زالت شاهدة عليه ليومنا هذا، ولكن أمر هروبها وسببه الحقيقي مجهول للآن لأنها لم تذكره أبدًا في أي من كتبها التي خلفتها والتي تعرف في المكتبات الأوربية بـ"الإرث الأدبي السالمي".
ومما كتب في يومياتها المنشورة "يوميات أميرة عربية"، وهي في طريقها لزيارة زنجبار عندما نزلت بالإسكندرية: "وما أن نزلت الإسكندرية، وأصبحت بين مساجدها ونخيلها، حتى طغى عليَّ إحساس عميق بالشوق والحنين للأهل والوطن العزيز، شعور لا يعرفه إلا كل من تغرب مثلي عن بلاده سنين عديدة، فهو شوق لا يشعر به إلا من عاش الظروف المنحوسة القاسية التي عانيتها"، أما حقيقة موقفها من نفسها يتضح فيما قالته في زيارتها السياحية لمسجد محمد علي بالقلعة".
أما في الجزء الثاني "رسائل إلى الوطن" والذي كان مفاجئ للكثير فهو عبارة عن رسائل لشخصية وهمية يعتقد بأنها كان تخاطب نفسها، وإن لم تكن بالشجاعة الكافية في مواجهة نفسها والمجتمع من حولها بندمها على الإسلام فقد لمحت مرارًا وتكرارًا وأكثرها وضوحًا حينما قالت: "لا تضحية أكبر من تغيير الدين، فلا المكانة ولا الغني ولا التحضر الغربي يمكن أن يكون بديلًا من ديننا المقدّس".
ومما يشار إليه أنه أقيم للأميرة سالمة متحف باسمها بزنجبار بجهود ذاتية لمحبيها ويضم عددًا كبيرًا من مقتنياتها الشخصية.