بقلم تغريد الطاسان: الدين لكل زمان ومكان
نفخر أننا بلاد الحرمين الشريفين، ونتباهى بأن يكون منبر الحرمين الشريفين في كل يوم جمعة هداية للمسلمين أجمع.. من خطبه نستلهم الكلمة والمعنى، ونبصر الطريق، ونعرف ما يلزم وما لا يلزم، ونؤمن أننا ننتمي إلى خير أمة أخرجت للناس رسالة ومنهجا..
في خطبة الجمعة الماضية، تطرق الشيخ عبد الرحمن السديس في خطبته إلى محاور أساسية تتعلق بالدين، ومدى صلاحيته لكل زمان ومكان، حيث أشار في خطبته إلى أن «الدين لم يتغير بل أصبح هناك فهم عميق للنصوص»، وهذا يؤكد على أن صلاحية الدين الإسلامي، تبقى فاعليتها سارية المفعول، كمنهج حياة ينظم تفاصيل العلاقات والمتطلبات البشرية المعقدة على كوكب الأرض، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.. حيث إن الدين وأساسياته التي يقوم عليها ثابت لا يتغير مهما تغيرت الأزمان وتبدلت الظروف وحاصرتنا التحديات، وفرضت علينا متغيرات مكتسبة لابد من المواءمة معها والاستفادة منها لنواكب تطور الأحداث والمتغيرات والأزمان.
ويؤكد فضيلته في خطبته على أنه «يلزم العلماء الأجلاء، والدُّعاة المخلصين الفُضلاء بذل غاية الجهود للنظر في الأمور المستحدثات، والقضايا المستجدات، بأنْ تُؤصَّل في ضوء المفاهيم الشرعية الصحيحة، التي تُجَلِّي فقه المآلات، واعتبار الأولويات، والاجتهاد المقاصدي. بأن يكون استنباط الرأي صوابًا سديدًا، والفهم مُحْكَمًا رشيدَا إلاَّ أن ترد أدلة مسلمات الشريعة، وقواعدها المنيعة، ومقاصدها السَّامية الرفيعة في ترفع؛ أن تلوكها أقلام الصحافة أو تتراشقها المنتديات وشبكات المعلومات».
ما يميز ديننا أنه قادر على التكيف، ويملك الحل لكل شيء يطرأ ويستجد، لذا نجده وقد تجاوز الخمسة عشر قرنا وما يزال شابا فتيا يسر المتأملين ويهدي الضالين.
لذا أوضح الشيخ في خطبته، أننا يجب أن نقرأ نصوص الدين جيدا، وأن نستقي شرحها وفهمها من لدن العلماء الربانين، الذين يلتزمون بالنص والأثر الصحيح، دون محاولة لفرض آرائهم البشرية، على نصوص ربانية، لا يمسها خطأ ولا تحتاج لتأويل.
لابد لنا كمنتمين لهذا الدين العظيم أن نعلي من شأنه ونظهر سماحته ويسره، وحرصه على أن نعيش الرضا والسعادة في حياتنا كلها، دون أن تحرمنا فتوى لم تصل إلى عمق النص من لذة الحياة، ودون أن يحجب عنا رأي شاطح أو متوجس من سماحة ديننا وسمو قيمه.
لا بد أن نحتفظ في مخازن الذاكرة القريبة بكلام سمو ولي العهد حامل راية الرؤية في حواره المشهور، عندما ذكر أن الأصل في الشيء الإباحة والحلال، ما لم يرد فيه نص قطعي جازم بحرمته، مستند على أصل ثابت ودليل صحيح، أجمع عليه العلماء ذوو الرأي والحكمة.. هذا المنهج هو ما كان ينقصنا خلال عقود مضت، فرأينا أن كل شيء حرام وشبهه، فحرمنا ذلك الاستمتاع بالحياة، وجعلنا نعيش حيوات بطرق منحية، ونمارس كذبا نحن في غنى عنه، مما جرنا إلى ازدواجية اجتماعية ضرتنا كثيرا!
التطاول على العلماء دون التفريق بين عالم بنى علمه على أساس من علم وآخر سبح على سطح التدين دون أن يصل إلى عمق العلم، كان له أيضا مساحة من خطبة الجمعة، حيث أشار فضيلة الشيخ السديس إلى ذلك التطاول الذي نراه على المقدسات والرموز الدينية تحت عباءة حرية الرأي، مما قد يسقط بنا إلى مستنقع الفرقة، ويعزز مشاعر العداء والكراهية لتزداد وتتكاثر، فتنسينا اللهم ما يهم وتجعلنا ننشغل بحروب فكرية لا طائل منها ولا فائدة. لذا فقد حذرنا فضيلة الشيخ من الطعن بالعلماء السابقين أو المعاصرين لأنهم علماء مجتهدون في المسائل والمقاصد.
لا بد لمنابرنا الزكية أن تجعل من إطلالتها سمو حرف واكتمال معنى، وأن تجعل الحقيقة واليقين أننا خير من يرعى لوسطية، ويحث على الرفق والتسامح، فنحن أمة أخرجت لنكون خيرا للناس ورحمة وسعادة ومحبة.
كم أتمنى أن يكون لمثل هذه الخطب نصيب من الترجمة بعدة لغات وتستثمر بعالمية الإعلام، لتجعل الآخر يعرف من نحن وماذا نملك؟، وأي حياة نعيشها ونرضاها، ولعل رئاسة الحرمين مع رابطة العالم الإسلامي، يفكران في كيفية إيجاد مثل هذا المحتوى طريقا له في المنصات ذات الريادة العالمية، والتي من خلالها نرسم المسارات ونحقق الغايات المثلى للإنسان والمجتمع معا.