بقلم مها عبدالله: التحرش المسكوت عنه
التحرش الجنسي من الأقارب نسباً ودماً، لا أحد يجرؤ على التحدث عنه، حتى المنابر الإعلامية لا تناقشه بتفاصيله، إنما تكتفي بمناقشه الجريمة بذاتها، مجردة من هوية مرتكبها. ولكن التحرش بشكل عام جريمة مختلفة تماما عن جريمة التحرش من الأقارب، أي التحرش الجنسي الذي يقع على الضحية من أحد أفراد العائلة، أي أن الضحية والجاني من العائلة نفسها وأحياناً الأسرة الواحدة!
الجميع صامت ويحاول دفن الموضوع بسبب تبعاته الخطيرة، ظهوره للعلن سيدمر سمعة عائلة ومجتمع، وسيقطع روابط راسخة، وسيكسر قلوباً عامرة، لذا اتجه الأغلب إلى أن الصمت عنه أخف ضرراً، اعتمادا على أن الضحية «ستنسى» مع مرور الوقت!، وكأن شيئاً لم يكن!
«ماينسون.. ماينسون.. ماينسون» كما قالت الممرضة هند، الشخصية التي جسدتها الفنانة القديرة هدى حسين في مسلسل (ملح وسمرة)، وبقلم كاتب القصة صاحب الرسالة الإنسانية الرفيعة الدكتور حمد الرومي. يتكلم العمل الفني الرفيع عن عدة قضايا ولكن أهمها وأكبرها قضية (تحرش المحارم)، التحرش المسكوت عنه، فتاة بعمر الطفولة يتم التحرش بها جنسياً من قِبل خالها، وتكبر بصمتها الذي ولّد لها معاناة نفسية ومخاوف غير منطقية، ومنهجية حياة دفاعية لا تسمح لها بالشعور بالسكينة والراحة. الجميع صمت خوفاً من تبعات الجريمة، وتركوا الضحية تدفع ثمن خطيئة الجاني وحدها. عمل فنّي شجاع أثبت فعلاً أن الفن رسالة، وأن هذه الجملة حقيقة وليست شعارات متداولة إعلامياً.
وبعد أن كبرت الضحية مع كل هذا العبء، كيف ستعيش؟
غالبا.. الآلام النفسية يتعامل معها إمّا بـ«القبول» أو «تسجيل موقف»، وبما أن القاعدة الإنسانية تقول إنه «لا قبول لانتهاك أو امتهان أو اغتصاب»، بالتالي لا خيار آخر أمامها سوى تسجيل موقف، هل القانون سيسمح لها بتسجيل الموقف؟، من سيصدقها إذا كان الجميع تعاون على دفن الجريمة بأدلتها ومنعها من الحديث وقت وقوعها؟، هل يوجد قانون يسترد حق كل إنسان ظُلِم في صغره من عائلته ولم يستطع الحصول على أدلة تدين الجاني؟.
في غياب الشكوى بالنسبة لقضايا العنف الأسري وحصر الأثر النفسي كدليل قاطع على الجرائم المرتكبة، ستبقى الضحية ما بين محاولة الانتقام بشرف، أو محاسبة كل من يشبههم بذنوبهم، وتدخل صراعا نفسيا بتدمير علاقاتها لدمار قناعاتها، وتحمل باقة مخاوفها المتنوعة وغير المنطقية نتيجة العبث النفسي الذي واجهته في طفولتها. كل ذلك لأنها «لم تسجّل موقفا» باسترداد حقها وسجن المتحرش والمغتصب ونيل حقها وكرامتها.
هل يوجد في الوطن العربي جهاز أمني اجتماعي «فعّال» لحماية حقوق الطفل والدفاع عنه؟، لا أتكلم عن الأنظمة المكتوبة، فقيمة الحبر أبخس قليلا من بعض مستخدميه، لكن أقصد - هنا - هل لدينا تطبيق واضح وجاد لهذه الأنظمة في مجتمعاتنا العربية؟
وأين دور الأخصائي الاجتماعي في المدارس؟ ما هي مهامه؟ من يختارهم؟ هل هم فعلاً مؤهلون أكاديمياً وإنسانياً؟ لماذا لم يلاحظ انطواء واختلاف الطفل المغتصب ومستواه الدراسي؟، لماذا لم يحم الطفل من جهله وإجحاف أهله؟ لماذا لم يقم بدور الوطن الذي تعهد بأن يحمي أبناءه ووضعه بهذا المكان ليفعل ذلك؟
هل الأخصائيون النفسيون خانوا الأمانة؟
جرب - عزيزي القارئ - أن تسأل أي طالب من عائلتك عن الأخصائي الاجتماعي في مدرسته، وسيرد عليك بمجموعة من الأحداث المحرجة والمضحكة لهذا الأخصائي، له سمة يجمع عليها جميع الطلبة، إنه «مغّيب» ويمكن التلاعب به، هو مجرد صورة إدارية للمدرسة، وشكل تجميلي للتعليم، وفعالية ساخرة للطلبة المتجاوزين أخلاقياً، والله إنه لا يعي ما يحدث داخل المدرسة، فما بالكم خارج المدرسة بما يتعلق بحياة أبنائه الذين هم تحت مسؤوليته؟
في الواقع، إن القانون لدينا لا يحتسب الأثر النفسي في القضايا المدنية أصلا ولا يعوض عنها!، والآن أنا أطالب بقوانين تسترد حقوق بالغين كانوا ضحايا لمتحرشين ومغتصبين ومظلومين من عوائلهم بعد أن دُفِنَت أدلتهم، لعل آمالي وصلت لمستوى لم نصل إليه حتى الآن.
أخيراً، إذا لم تتعرض عزيزي القارئ لما ذكرته أعلاه، لا تشكك بحدوث أمرٍ كهذا أو تقلل من خطورته لندرة سماعك به، لو تعلم حجم الصامتين وأسماءهم، الضحايا أكثر مما تتصور، لعلك جلست معهم أو عملت معهم أو حتى تقرأ لهم، أرجوك.. اترك الضحايا يتحدثون، ليصنعوا لك بيئة أكثر صحة وأمانا لك ولأبنائك مستقبلاً.
ونقدم لكم من خلال موقع هير نيوز، أخبار وتقارير، صاحبة المعالى، منوعات، فن وثقافة، كلام ستات، بنات، هير فاشون، حوادث، رياضة، صحتك، مال وأعمال، توك شو، مقالات، دنيا ودين.