الجمعة 22 نوفمبر 2024 الموافق 20 جمادى الأولى 1446
رئيس مجلس الإدارة
خالد جودة
رئيس مجلس الاداره
خالد جوده

بقلم زينب الخضيري: ميداس والأدب

الأحد 18/يونيو/2023 - 05:59 م
هير نيوز

يخاطب الاقتصاد الأدبي الروح الانسانية محاولاً تنقيتها من الصراعات المادية التي زرعها الاقتصاد السياسي، فهو يدعو إلى روح القناعة والنظر إلى الأشياء بمنظار روحاني إنساني، بينما الاقتصاد السياسي يدعو إلى الجشع والطمع والتعامل مع كل ما يحيط بنا بلغة المادة التي سببت الاضطرابات والنزاعات والخلافات بين أفراد المجتمع. ومنذ ميداس ما فتأ الأدب يندد بالاقتصاد السياسي، ولميداس حكاية حيث كان ملكاً على بقعة صغيرة، أراد أن يكون له نفوذ بتوسيع سلطان مملكته، ومثل هذا الطموح لا يتحقق إلا بالثروة، وعندما أكرم أحد الناخبين الشيوخ كافأه باخوس بتلبية أي رغبة يتمناها، فتمنى الغبي أن يتحول كل ما يلمسه إلى ذهب، فكان أن حتى مياه الشرب ومأكل المائدة تحولت إلى ذهب، فهرع إلى باخوس فوراً ليوقف هذه المهزلة أو هذه المأساة، فنصحه إله الخمرة أن يغتسل بماء نهر يتدفق من ينبوع بين صخرتين، دعاه الانسجام والتكيف مع الطبيعة، واغتسل الرجل فشفي، وقد عرف فعل الندامة وتراجع عن رغبته سريعاً، لكن الأدب بعد ذلك لم يطلعنا على رجل عرف فعل الندامة سريعاً مثل ميداس، فالأغلبية لا يظهر عندها الندم إلا متأخراً.

وهذه القصة توضح لنا مقدار الجشع في الإنسان ونظرته المادية المجردة تجاه كل شيء، والاقتصاد السياسي يسلّع كل شيء حولنا، فهو ذو سطوة على الأسواق الاستهلاكية ومتغول وحدّي جداً، لذلك لابد أن يجابه بالاقتصاد الأدبي من أجل خلق توازن، فهو يدعو إلى بث روح الحياة. وفي رؤى كاسندرا بريام ترى أن الاقتصاد الأدبي: "يوضح أن السلعة المادية تبدأ بالروح قبل أن تخرجها اليد والآلة إلى السوق. وهي تحمل صفات هذه الروح معها فإن كانت روحاً طيبة فإنها سلعة مفيدة وطيبة، وإن كانت روحاً خبيثة فإنها سلعة ضارة ومفسدة. الروح هي التي تحمّل السلعة رسالتها: تنزل إلى السوق لسد حاجة وتعود بربح الكفاية"، فهو يشترط نظافة الروح لتبقى الأشياء متقدة، مبهجة، ومفرحة، وخالية من أنانية وتوحد الاقتصاد السياسي.

ولطالما كان الأدب مرآة، وشبيها بالكاميرا التي تتطلب مزيجاً من عدسات التصوير المقربة والمكبرة. وهو نمط لا يتحقق إلا عندما تتقاطع العلوم والمعارف، وعلاقة الأدب بالتاريخ، وعلم الاجتماع علاقة حميمية، إلا أن علاقته بالاقتصاد يشوبها نوع من البعد الجاف، ولكن عندما ندير عدسة التصوير نقربها ونكبرها سيتضح لنا أن هناك علاقة مليئة بالحياة بينهما، بالرغم من ما يحمله الاقتصاد من نظريات وأرقام وعلاقات مادية، إلا أنه كان شاسع الحضور في الأدب بجميع فنونه سواء، القصة، المقالة، الشعر، الرواية، وكذلك له دور في تحديد مستوى المؤلفين الاجتماعي، وكيفية إنتاجهم، وأيضاً محتوى العمل الأدبي، فهو مؤشر على الوضع الاقتصادي في تلك الفترة، ففي الروايات مثلاً نجد المؤلف يعبر عن طبقات معينة في المجتمع من خلال الوصف الدقيق للشخصية ماذا تلبس، كيف تتحدث، وأين تسكن، وماذا تأكل، ومن هنا نستنتج نوع الشخصية ومستواها الاقتصادي هل هي ثرية، أو من الطبقات المسحوقة، أو المتوسطة؟

كذلك كان الأدب أداة في مواجهة الأزمات الاقتصادية والدفاع عن الطبقات الفقيرة في عام 1929م أثناء (الكساد العظيم)، حيث توجه الأدباء نحو موجه المسؤولية الاجتماعية والأخلاقية بدفاعهم عن الفقراء ضد الطبقة الرأسمالية، وهذا يتماشى مع النظرة الماركسية للمعرفة، على أنها تابعة للأوضاع المادية. وحالياً يعكس الأدب ثقافة الاستهلاك والشخصية الكونية المسلوبة الهوية والخاضعة لقوانين عالمية تجبرك على التماشي معها، حيث أصبح التعامل مع الأدب الآن كـ(سلعة) ينتجها الأديب، ويوزعها الناشر، وتسوقها شركات التسويق، ويستهلكها القراء، ومن خلال هذا المنظور أصبحت الأعمال الأدبية "مشروعات اقتصادية" تخضع لقانون العرض والطلب في السوق، وقانون الربح والخسارة مع أنه في الأدب لا يوجد رابح أو خاسر، والأكيد أن الوضع الاقتصادي العالمي الذي أصبح يئن الآن سيلقي بظلاله عن إنتاجنا الأدبي مستقبلاً ونظرتنا تجاه الحياة.

نقلا عن الرياض

ads