بقلم هانم داود: عام جديد.. تلك اللحظة بين ماضي يرحل ومستقبل يشرق

ها هو العام القديم يطوي عباءته المثقلة بالذكريات، ينسلُّ في هدوء كغسقٍ حزين، تاركاً خلفه أصداء خطانا على أرصفة الأيام. وبينما يغلق الزمان دفتراً من عمرنا، يشرع الفجر في غزل خيوط ذهبية لعامٍ يطلُّ علينا كطفلٍ يحبو نحو النور، يحمل في عينيه وعوداً لم تُقطف، وفي كفه بيادر من الأمل الأخضر.

انظر إلى الأفق؛ حيث تمتزج حمرة الوداع بزرقة الاستهلال. ترى الأيام القادمة كصفحاتٍ بيضاء ناصعة لم تدنسها عثرات الأقلام بعد، تفوح منها رائحة الورق البكر. السماء اليوم ليست مجرد فضاء، بل هي مرايا تعكس أحلامنا المعلقة كنجومٍ تأبى الأفول، والأرض تتنفس بعمق، وكأنها تستعد لخطواتنا الواثقة فوق أديمها المتجدد.

لقد "استيقظت" الأماني من غفوتها، ونفضت عن كاهلها غبار اليأس، لتلبس "حلة" التفاؤل القشيبة.

نحن نقف في تلك النقطة السحرية، حيث يلتقي الغروب (نهاية العام) بـ الشروق (بدايته)، في عناقٍ سرمدي يخبرنا أن النهايات ليست إلا بواباتٍ مواربة لبداياتٍ أجمل.

يأتي العام الجديد كالغمام، يطرق أبواب قلوبنا العطشى، فإما أن نجعل منه غيثاً يحيي موات طموحنا، أو نتركه يمرُّ كسرابٍ عابر.

في محراب العام الجديد لا تجعلوا من هذا العام مجرد رقمٍ يضاف إلى سجلات السنين، بل اجعلوه ثورةً بيضاء على العجز، وقصيدةً عصماء تُكتب بحبر العمل والكفاح. فما الزمن إلا وعاء، ونحن الخمر الذي يملؤه؛ فإما أن نكون شهداً يطيب به العيش، أو نكون علقماً يمرر الأيام.

كل عام وأنتم النور الذي يضيء عتمة المسافات، والنبض الذي لا يعرف الانكسار.