بقلم بينة الملحم: صورة المرأة السعودية أبهرت العالم
هذه الصورة العفوية جسّدت أهمية القوة الناعمة وأكّدت صوابية تمكين المرأة في كل المجالات؛ قد أثبتت في المقابل كيف تؤثر الصورة الذهنية والهوية على مصير الأفراد والدول، وتحدد خياراتهم وتوجهاتهم...
لا تزال صورة تلك المرأة السعودية تتصدّر عناوين وأخبار وكالات أخبار وصحف العالم وتحظى بتداول منقطع النظير في مواقع التواصل الاجتماعي. ورغم أنها صورة صامتة بطبيعتها ولكنها كانت ناطقة بكل لغات العالم وتروي قصة الإنسانية ورسالة السلام السعودية لكل العالم. لثقافة الصورة تأثير على الرأي العام ذلك لأنها جوهر الثقافة البصرية ولغة اتصال حضارية، وقد تختصر صورة واحدة آلاف المقالات والتقارير والكتابات الصحفية؛ ففي ثناياها دلالات ومعانٍ ورسائل ورمزية اتصال سياسية واقتصادية واجتماعية. لم تعد الصورة لحظة زمنية جامدة ولا إطاراً جمالياً حيادياً بل أصبحت وسيلة اتصال عالمية لإعادة صناعة الوعي وتوجيه الرأي العام، ولا سيما في عصر الإعلام الجديد وأدوات الإعلام ووسائله الجديدة ودور منصات التواصل الاجتماعية التي اختصرت الزمان والمكان وجعلت العالم كله يعيش في مساحات مشتركة، ومدى تأثيرها وسرعة انتشارها، وجعلت العملية الاتصالية أسهل وأسرع، وتُشكّل فيه الصورة الصحفية
لاعباً رئيساً في صناعة الرأي العام أو إعادة توجيهه نحو موضوع معين أو قضية تشغل الرأي العام أو رسالة سياسية يُراد إيصالها أو تعديل صورة ذهنية سلبية أو خاطئة من خلالها، مما دفع العديد من الدول والحكومات ممن أدركوا جيداً مدى "تأثير الصورة وقوتها الإقناعية الناعمة في إيصال الرسائل الإعلامية السياسية إلى الاهتمام الكبير بها".
وحينما حازت صورة الجندية السعودية (أمل العوفي) وهي تحتضن طفلاً على سفينة الإجلاء السعودية القادمة من السودان، على تفاعل إعلامي عالمي إيجابي جداً وانتشار كبير في السوشال ميديا، وقد اختصرت هذه الصورة كل الجهود السعودية وأنصفتها لدى الرأي العام الدولي، كما نقلت هذه الصورة كل الرسائل الإعلامية والقيم الإنسانية التي نؤمن بها للعالم.
هذه الصورة العفوية جسّدت أهمية القوة الناعمة وأكّدت صوابية تمكين المرأة في كل المجالات؛ قد أثبتت في المقابل كيف تؤثر الصورة الذهنية والهوية على مصير الأفراد والدول، وتحدد خياراتهم وتوجهاتهم.
ولفهم الهوية والصورة الذهنية، يمكننا استخدام نموذج الجبل الجليدي، الذي يخبرنا أن ما نراه من سلوكيات الآخرين، هي مجرد مظهر خارجي لمكونات أوسع وأعمق للثقافة، من أفكار وانطباعات ومعتقدات وقناعات ومواقف وافتراضات، تشكل القيم وأنماط التفكير ومحرك لسلوكهم.
تلعب وسائل الإعلام عموماً دوراً رئيساً في رؤيتنا وتصورنا عن الآخرين وهذا وفق ما تقدمه لنا من صور وأفكار عنهم، وما يقال عن الأفراد ينطبق أيضاً عن الدول والمجتمعات.
وعلى ذلك بدأ الإعلام في الاهتمام بالصورة الذهنية بعد إدراكه أن المجتمعات والجماهير لا ترى الأشياء كما هي، ولا تستطيع أن تحيط بحقيقة الأشياء من حولها بشكل كامل إلا بحدود الصور الذهنية المرتسمة في الأذهان، والذي تحدد من خلاله سلوكها الاجتماعي والاقتصادي، ومشاعرها تجاهه وطريقة تفكيرها وتصرفها أثناء اتخاذها للقرارات أو الحكم عليه. وهذا مؤشر مهم يشير إلى مدى خطورة عدم فهمنا للطبيعة البشرية، وطريقة عمل العقل البشري، التي نتجت عن اكتشاف طبقة تفكير غير واعية تتحكم في سلوك الإنسان.
وعلى ذلك أكدت دراسات عديدة أن "هنالك علاقة ارتباطية إيجابية بين الصور الذهنية والنمطية حول الدول وتأثيراتها في العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية فيما بينها. فهذه الصور تؤثر في الرأي العام الذي يؤثر بدوره في صنع السياسة الخارجية نحو هذا البلد أو ذاك. وأغلب الظن أن الدولة التي تصوّر بطريقة سلبية وتعرض بصور نمطية أفكاراً مضللة متحيزة ستجني رأياً عاماً سلبياً، والعكس صحيح الدول التي تنجح في إيصال رسائلها السياسية إعلامياً بصورة إيجابية تتمتع بصورة ذهنية وسمعة حسنة عالمياً مهما حاول أي خصم لها أو إعلام مضلل في تشويه صورتها.
إن نموذج صورة المرأة السعودية هذه والتي أسرت العالم ومدى تأثيرها الإيجابي وتحقيقها في إيصال رسائل الوطن الإعلامية يدفعنا أكثر للاهتمام بصناعة الثقافة الاستراتيجية عموماً، وإعادة رسم الصورة الذهنية الحقيقية الإيجابية التي تصنع الرأي العام وتُعيد توجيهه من خلال تصحيح كل الأفكار المسبقة والصور المزيفة والمشوّهة أو المضللة، وتعرّف الآخرين بحقائق السعودية ودبلوماسيتها وسياستها داخلياً وخارجياً. إنّ التاريخ لا يكتبه إلا الأقوياء؛ رؤيتك ورأيك العام ورسالتك وقصتك الإعلامية لا يكتبها إلا الأقوى، وإن لم يكتبها إعلامك كتبها نيابة عنك وسوّقها الأقوى إعلامياً!