الجمعة 22 نوفمبر 2024 الموافق 20 جمادى الأولى 1446
رئيس مجلس الإدارة
خالد جودة
رئيس مجلس الاداره
خالد جوده

نساء في القرآن| السيدة مريم العذراء الصديقة البتول وكيف واجهت قومها

الخميس 23/مارس/2023 - 01:28 م
السيدة مريم العذراء
السيدة مريم العذراء

كرم الإسلام المرأة، ونظر إليها نظرة احترام وإجلال، واعتبرها شريكة الرجل في جميع شؤون حياته وفي تحمل مسؤولياته ورعاية بيته وأسرته، فهي الأم والأخت والزوجة والابنة، وفي القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة الكثير من الآيات والأحاديث التي توصي بالمرأة، وتحض على تكريمها وحسن معاملتها، كما أنزلت سورة كاملة وسميت بـ«النساء»، ذكرت العديد من النساء في القرآن الكريم، سواء بالاسم الصريح أو بالإشارة، ومنهن النساء الصالحات، ومنهن ما دون ذلك، وهو ما تتناوله «هير نيوز» خلال السطور التالية، على مدى أيام شهر رمضان الكريم.  

قصة السيدة مريم العذراء 

والبداية مع الصديقة، العذراء البتول، سيدتنا وسيدة نساء العالمين، السيدة مريم عليها السلام، التي كرمها الله سبحانه وتعالى، فأنزل سورة كاملة وسماها باسمها «مريم»، فأي تكريم وأي شرف نالته إلى يوم الدين واسمها قرآن يتلى.  

وقد جاء في الحديث الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: (ما من مولود يولد إلا نخسه الشيطان، فيستهل صارخاً من نخسة الشيطان إلا ابن مريم وأمه)، ثم قال أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم: {وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم} (آل عمران:36)، رواه مسلم.    

وعاشت أمّ مريم في بيت المقدس وكانت امرأة صالحة عابدة متبتّلة زاهدة، انقطعت عن الدنيا وتعلّقت بالآخرة، ويقول الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ}، وكان ذلك في زمن نبي الله زكريا عليه السلام.  



  

ولادة السيدة مريم العذراء عليها السلام 

عندما كانت أم مريم حاملا، نذرت ما في بطنها لله تعالى: {إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}، ولكنها ارتبكت بعد أن وضعت حملها، فلم يكن من عادة قومها تقديم الإناث لخدمة بيت المقدس: {فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}، كلّ إنسان لمّا يولد: ينخزه الشيطان من كراهيته لبني آدم فيبكي، إلا ما كان من مريم وابنها لم يمسّهما الشيطان ببركة دعاء أمها.  

وعندما ولدت مريم تنافسوا عليها لأنها من آل عمران أصحاب المكانة العالية والصلاح، وكانت طريقتهم في ذلك، أن ألقى كلٌّ منهم قلماً في النهر، فسارت جميع الأقلام مع التيار إلا قلم النبي زكريا عليه السلام، سار عكس التيار، فكانت السيدة مريم من أسرة صلاح وتقوى، وتكفّل بتربيتها نبي من أنبياء الله تعالى.  

 

عبادة السيدة مريم وقصتها مع سيدنا زكريا

تعلّقت السيدة مريم العذراء بالله وزهدت بالدنيا، وكانت عفيفة شريفة طاهرة عابدة، ودخل عليها سيدنا النبي زكريا في الشتاء فوجد عندها فاكهة الصيف: {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ}، فكانت كرامة الله تحيطها وتجللها.  

عندما رأى سيدنا زكريا عليه السلام هذا المشهد؛ تمنى أن يكون له ولد صالح كمريم عليها السلام: {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء (38) فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ}.  

 


قصة حمل مريم بعيسى عليهما السلام  

ازداد تعلق السيدة مريم عليها السلام بالعبادة، واتخذت مكاناً شرقياً من بيت المقدس، واتخذت حجابا من قومها وانقطعت عن الناس فسميت لذلك بـ«البتول»، وهناك حدثت المعجزة: أرسل الله لها روح القدس جبريل عليه السلام بصورة بشر جميل، فدخل عليها في خلوتها ففزعت منه، فهدئها وأخبرها أنه ملك أرسله الله تعالى ليهب لها غلاماً: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16) فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا}.  

وكانت السيدة مريم عليها السلام مؤمنة عالمة بالملائكة، فلم تسأل عن ذلك، وإنما تعجّبت من مسألة الولد: {قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20) قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا}، ثم نفخ جبريل في شق الثوب من صدرها فحملت بأمر الله عز وجل، وليعلم الناس أن الله على كل شيء قدير.  

 

ولادة سيدنا عيسى بغير أب

بعد أن ظهر الحمل، خرجت السيدة مريم من محرابها في بيت المقدس إلى مكان تختفي فيه عن أعين الناس، حتى لا تلفت الأنظار: {فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا (22) فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا}.  

وولدت السيدة مريم عليها السلام نبي الله عيسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام أحد أولي العزم من الرسل، وكانت وقتها العذراء في غاية الضعف ولا معين لها؛ فجاءتها المساندة الإلهية: فسار نهر بجوارها، وأمرها أن تهز جذع النخلة ليسقط لها رطباً تأكل منه: {فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا}.  

لما رأت السيدة مريم الآيات وعناية الله بها؛ سكنت نفسها واطمأنت، وكان من صومهم في ذلك الزمان: الامتناع عن الكلام، فأخذت طفلها بثبات ودخلت بيت المقدس، فلما رآها الناس بدأوا يتحدّثون عنها ثم اجتمعوا عليها يغلظون الكلام: {فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (27) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا}. 

 

 معجزة كلام النبي عيسى في المهد  

اشتدّ الأمر على مريم، وكان من الحكمة ألا تجيبهم في هذا الموقف، ولقد جاءها الأمر بأن تشير إلى طفلها: {فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا}، اتهموها بالجنون، ولكن سرعان ما جاءت المعجزة حيث: بدأ هذا الطفل يتكلم بكلام واضح، وبدأ الناس يسكتون بعضهم وينصتون له: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا}. 

ولقد اشتمل كلام نبي الله عيسى بن مريم عليه السلام على: أصول الإيمان، وأصول العبادة، وأصول الأخلاق، والسلام الذي جاءت من أجل تحقيقه كل رسل الله تعالى، فلا سلام إلا بمنهج ربّ العالمين: {ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34) مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ (35) وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ (36) فَاخْتَلَفَ الأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِن مَّشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ}.  



ولكن على الرغم من هذه الآية البينة؛ جعل الناس يتنازعون فمنهم من قال: أنه (ابن الله)، ومنهم من قال (إنه الله)، ومنهم من قال (ثالث ثلاثة)، ومنهم من بدأ يشك ويطعن في شرف مريم عليها السلام من جديد، وبدأ اليهود يتململون ويخافون من هذا النبي.  

فخافت السيدة مريم عليها السلام على ابنها، وخرجت به من بيت المقدس، وكانت معه في حياته ترعاه حتى رفعه الله سبحانه وتعالى، ثم توفيت عليها السلام.  

 

ads