أبيض غامق أم أسود فاتح؟
عجيب أمرنا نحن بني البشر.. حتى بعض الألوان أوجدنا بيننا وبينها عداوة فوصفناها بأوصاف أخرجتها من كونها مصدر بهجة وسعادة إلى انعكاس لما يجول في نفوسنا من تراكمات، كل منّا يطلق وصفه حسب مقدار تلك المشاعر ونوعها، الأحمر خطر والأصفر غيرة، وأوصلناه لدرجة الجنون، والبنفسجي نرجسية وحب للذات، والبني كآبة، ثم وضعنا بعض الألوان في دائرة (الطيبين) فالأخضر خير والأزرق الفاتح صفاء والزهري رحمة، وهكذا أطلقنا على كل لون صفة ارتبطت به وأصبحت تمثله، بل تعدت ذلك لتصبح هي الصفة الموصوف بها من يميل لذلك اللون ويفضله.
ربما تختلف تفضيلاتنا في حب الألوان إلا أننا نقف تقديراً للنقيضين الأسود والأبيض، لأننا ندرك في قرارة أنفسنا أنهما يحددان الكثير من قراراتنا وآرائنا، تملكتنا عبارة نظيم شعراوي في مسرحية شاهد ما شفش حاجة وهو يصر على قوله: (اللون الرمادي مبحبهوش)، وقد أثّر على الغلبان (سرحان عبدالبصير) فغيّر موقفه، لنتبعه نحن بدورنا مؤيدين لفكرة رفضنا للون الرمادي، كأننا لو أضفنا ذلك اللون إلى قائمة التصنيفات نصبح كالواقف على أرجوحة لا يعلم إلى أية جهة يقفز “انفصام شخصية” من نوع جديد.
ربما لو أطلقنا عليه مسمى جديداً يصبح أكثر قبولاً، مثلاً.. لو قلنا أنه أبيض غامق أو أسود فاتح هل ستتغير نظرتنا نحو ذلك المسكين الذي لم يكن ذنبه إلا أنه تخيّر الوسط ليرضي جميع الأطراف ولا يخسر من حوله؟
سأخبرك بأمر اكتشفته مؤخراً.. أنني مولعة بلونين وكلاهما في المنطقة المحظورة.
ما هما؟
•الرمادي والبنفسجي هل بذلك أكون متمردة متغطرسة لا أرى إلا نفسي؟
– ربما.. عند البعض.
•حدد من هم؟
– عند محبي النقيضين.
• آه.. ظننت أنك ستقول عند الجميع.
• هل أفهم من قولك أنك لا تهتمين بتلك الفئة؟
– لا على العكس تماماً.. أحترم الجميع وأقدر رأي الجميع.. وأقصد بالجميع من لا يضعوني ضمن دائرة المحظورين.
• ولماذا لا تكونون كالجميع؟
– لا يوجد جميع.. يوجد كيان لكل فرد من بيننا يتكون من محيطه وخبراته وعلاقاته ومهاراته في التحول والتغير لأفضل نسخة منه.
• ما معنى أفضل نسخة منه.. هل لنا نسخ هل نحن مستنسخون.
– لا.. الموضوع أننا بطبيعتنا كبشر بعد كل خمس سنوات تتغير بعض من أفكارنا وقناعاتنا فنصبح نسخة محسّنة من السابقة.
• أو نسخة أسوأ.
– هذا الخيار بيدك أنت من تحدد أين تريد أن تكون في شخصك الجديد؟
• هل جميعنا نتغير؟
– التغيير سنة كونية.
• هناك من يقول دائماً أنا لا تغيرني السنين فهل هذا تناقض لما تقولين؟
– لا ليس تناقضاً نحن نتغير في قناعاتنا وأفكارنا ولكننا لا نتغير في مبادئنا أو يجب أن لا نتغير في مبادئنا.
• وما هو ضمانك لبقاء المبادئ.
– الضمان بالله، ليست هناك ضمانات بشرية.. نحن بشر هل تعي ذلك؟
نقلا عن البلاد