حكم البخار والدخان الناتج عن غسل النجاسة؟ «الإفتاء» تجيب
الثلاثاء 28/فبراير/2023 - 11:46 م
كمال الناحل
تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالا، جاء فيه: "ما حكم بخار النجاسة ودخانها؟ حيث وقعت نجاسة على ثيابي فقمتُ بغسلها بماءٍ ساخن، فهل يُعتبر البخار المتصاعد أثناء الغسيل طاهرًا أو نجسًا؟
ويجيب عن ذلك السؤال، فضيلة الأستاذ الدكتور شوقي إبراهيم علام، مفتي الجمهورية، والذي قال: البخار الناتج عن غسل الثياب المتنجسة بالماء الساخن طاهر، وإذا أصاب شيئًا فلا ينجسه، وذلك لتغير عينها، وقياسًا على خروج الريح من الآدمي فإنه لا ينجس ما لاقاه من الثوب مطلقًا، ودفعًا للحرج وتعذُّر التَّحرُّز عنه.
تشجيع الشرع على الطهارة
حثَّ الشرع الشريف على طهارة الثوب والبدن؛ فقال تعالى: ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّر﴾ [المدثر: ٤]؛ قال الإمام الرازي في "مفاتيح الغيب" (30/ 698، ط. دار إحياء التراث): [﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّر﴾ عن تلك النجاسات والقاذورات] اهـ.
وروى الشيخان في "صحيحيهما" -واللفظ للبخاري- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مرَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقبرين، فقال: «إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لاَ يَسْتَتِرُ مِنَ البَوْلِ، وَأَمَّا الآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ».
وأثنى الله تبارك وتعالى على المتطهرين، فقال تعالى: ﴿فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾ [التوبة: ١٠٨].
معنى البخار
البخار في اللغة: كل شيء يسطع من ماء حارٍّ أو من الندى، ومنه البخور: وهو دخنة يتبخَّر بها. ينظر: "العين" للخليل بن أحمد (4/ 259، ط. دار الهلال)، و"تهذيب اللغة" لأبي منصور الهروي (7/ 158، ط. دار إحياء التراث).
واستعمله الفقهاء في الاصطلاح الشرعي بمعناه اللغوي. ينظر: "شرح الزرقاني على مختصر خليل" (1/ 22، ط. دار الكتب العلمية)، و"نهاية المحتاج" للإمام الرملي (1/ 247، ط. دار الفكر).
حكم بخار النجاسة ودخانها
الفقهاء مختلفون في طهارة البخار المتصاعد من النجاسة؛ وكان خلافهم على النحو الآتي:
فذهب الحنفية إلى طهارته مطلقًا في الصحيح، والمالكية في المعتمد (اختاره ابن رشد الجد)، والحنابلة في مقابل ظاهر المذهب (وهو اختيار ابن تيمية)؛ قال العلامة ابن عابدين الحنفي في "رد المحتار" (1/ 325، ط. دار الفكر): [نقل في "الحلية": ... وما يصيب الثوب من بخارات النجاسة، قيل: ينجسه، وقيل: لا، وهو الصحيح] اهـ.
وذهب الحنابلة إلى نجاسته في ظاهر المذهب -شريطة أن يتكثف منه ماء، ويُعفى عن اليسير منه-، وهو مقابل الصحيح عند الحنفية، وهو اختيار بعض المالكية، كاللخمي، والتونسي، والمازري، وأبي الحسن، وابن عرفة.
وذهب الشافعية إلى القول بنجاسته مع العفو عن قليله؛ إلا أنهم يشترطون في نجاسته أن يكون التبخير ناتجًا عن النار، أما ما عداه فهو طاهر.
المختار للفتوى في حكم بخار ودخان النجاسة
المختار للفتوى: طهارة البخار المتصاعد من النجاسة لتغير عينها، وقياسًا على خروج الريح من الآدمي فإنه لا ينجس ما لاقاه من الثوب مطلقًا، ودفعًا للحرج وتعذُّر التَّحرُّز عنه، كما أنَّ البخار -كما في واقعة السؤال-: تَولَّد عن ماء غسل به متنجس، فكان مُتولَّدًا من متولِّدٍ، مما خَفَّف النجاسة فيه؛ فكان تدعيمًا للقول بطهارته.
وبناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإن البخار الناتج عن غسل الثياب المتنجسة بالماء الساخن طاهرٌ، وإذا أصاب شيئًا فلا ينجسه.
والله سبحانه وتعالى أعلم.