حازم البهواشي يكتب: المجالس مدارس
كانت المرةُ الأولى التي طالعتُ فيها هذه العبارة (المجالس مدارس) مكتوبةً، في أحد مؤلفات الناقد الأدبي المبدع أستاذنا الدكتور/ (طه وادي) _ رحمه الله _ ( 1937م : 2008م )، غيرَ أني كنتُ أسمعها في الصغر من والدي _ رحمه الله _ دون أن أُعيرَها اهتمامًا يُذكر، يُعجبني سجعُها وموسيقاها، لكني لا أحرص _ حينئذٍ _ على عَيْش معناها.
وتأبى الظروف إلا أن تُجالسَ كثيرين، وتختلطَ بكثيرين، تتعلم منهم، وتُميز بين الغث والسمين، وتعرف أن غثّ أبيك خيرٌ من سَمين غيرِه.
( إوعاك تكون فاكر إن التعليم في المدارس وبس )!! قالها لنا آباؤنا، فاهمِسوا بها في آذان أبنائكم، خذوهم معكم ليحضروا مجالسَكم العائلية، ومجالسَ أصدقائكم، خذوهم معكم إلى المصالح الحكومية والمحلات التجارية؛ فالتعامل فيها مدرسة، إلى المستشفيات، والأحياء، وأقسام الشرطة، وإدارات المرور، عند قضاء مصالحكم، اجعلوهم يتعلمون ولا يتقوقعون، يتعلمون بالممارسة، والمشاهدة، يرونكم وأنتم تدفعون رشوة أو إكرامية للحصول على حقٍّ لكم!! فيؤرقهم الفساد، ويتساءلون: لماذا؟! علَّنا نتعلم منهم ألا نعودَ إليها!! دعوهم يرون شخصًا صالحًا تأبى نفسُه الرشاوى، في نفس المكان الفاسد، فيتعلمون أن الخيرَ في الكون باقٍ ( بل أرى الخيرَ فيه أصلًا أصيلًا ) .
ستُعلمهمُ المجالس الجُرأةَ في أدب، وعدمَ الكسوف والخجل في موضعٍ يقتضي الجَسارة.
ستعلمهم المجالس فَهْمَ الناس بطريقةٍ صحيحة فلا يستغفلهم أحد.
ستعلمهم المجالس ألا يثقوا في كل الناس، وألا ينخدعوا بالمظاهر أو الكلام المنمق والمعسول.
ستعلمهم المجالس كيف يُفرقون بين (العزومة الحقيقية) و (عزومة المراكبية) .
ستعلمهم المجالس ( تِحْتِرِم كِبيرَك يِحْتِرْمَك صِغيرَك ) .
ستعلمهم المجالس ( طُول ما الوَلَّادَة بِتِوْلِد ما على الدُّنيا شاطِر ) .
ستعلمهم المجالس ( إيد لوحدها ماتسقفش ) و ( نحلة واحدة ماتعملش عسل، وطوبة واحدة ماتبنيش حيط ) .
ستعلمهم المجالس ( اللي يِعْرَف الأمَل مايِعرَفش المُستَحيل ).
ستعلمهم المجالس ( اِسْمَعْ كِتِير واتكَلِّم قَلِيل ).
ستعلمهم المجالس ( اللي يِعِزّ نفسُه الناس تِعِزُّه ).
ستعلمهم المجالس ( كُتْر الدَّق يِفُكّ الِّلحَام ).
ستعلمهم المجالس ( حُسْن الأخلاق وِسْع في الأرزاق ).
ولكن أحسِنُوا اختيارَ المجالس؛ فإنها تُضِيفُ إلى الأعمارِ أعمارًا مِن خِبْرَاتِ وحِكاياتِ الناس.